أقوالهم وأعمالهم ، وهم ـ لقوة إيمانهم ـ يخشون التقصير في أى جانب من جوانب طاعتهم له ـ عزوجل ـ.
وقد جاءت هذه الصفات الكريمة ـ كما يقول الإمام الرازي ـ في نهاية الحسن ، لأن الصفة الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز عما لا ينبغي ، والثانية : دلت على قوة إيمانهم بآيات ربهم ، والثالثة دلت على شدة إخلاصهم ، والرابعة : دلت على أن المستجمع لتلك الصفات يأتى بالطاعات مع الوجل والخوف من التقصير ، وذلك هو نهاية مقامات الصديقين ، رزقنا الله ـ سبحانه ـ الوصول إليها (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) يعود إلى هؤلاء المؤمنين الموصوفين بتلك الصفات الجليلة.
وهذه الجملة خبر عن قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) وما عطف عليه ، فاسم «إن» : أربع موصولات ، وخبرها جملة (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ..).
أى : أولئك الموصوفون بتلك الصفات ، يبادرون برغبة وسرعة إلى فعل الخيرات ، وإلى الوصول إلى ما يرضى الله ـ تعالى ـ (وَهُمْ لَها) أى : لهذه الخيرات وما يترتب عليها من فوز وفلاح (سابِقُونَ) لغيرهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين ، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم ، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات ، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد ، فقال ـ تعالى ـ (وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ..).
أى : وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات ، أننا لا نكلف نفسا من النفوس إلا في حدود طاقتها وقدرتها. كما قال ـ تعالى ـ : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٢).
والمراد بالكتاب في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ.). كتاب الأعمال الذي يحصيها الله ـ تعالى ـ فيه ويشهد لذلك قوله ـ سبحانه ـ : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ. إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣) وقوله ـ تعالى ـ (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.). (٤).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٢٠٠.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٨٦.
(٣) سورة الجاثية الآية ٢٩.
(٤) سورة الكهف الآية ٤٩.