مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٤٣)
والمراد بالآيات في قوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) : العصا واليد. وجمعهما تعظيم لشأنهما ، ولاشتمال كل واحدة منهما على دلائل متعددة على صدق موسى ـ عليهالسلام ـ فيما جاء به من عند ربه ـ تعالى ـ.
والمعنى : ووصل موسى إلى فرعون وقومه ، ليأمرهم بعبادة الله وحده ، فلما جاءهم بالمعجزات التي أيدناه بها ، والتي تدل على صدقه دلالة واضحة.
(قالُوا) له على سبيل التبجح والعناد (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أى : قالوا له : ما هذا الذي جئت به يا موسى إلا سحر أتيت به من عند نفسك.
ثم أكدوا قولهم الباطل هذا بآخر أشد منه بطلانا ، فقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ : (وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ).
أى : وما سمعنا بهذا الذي جئتنا به يا موسى ، من الدعوة إلى عبادة الله وحده ومن إخبارك لنا بأنك نبي .. ما سمعنا بشيء من هذا كائنا أو واقعا في عهد آبائنا الأولين وقولهم هذا يدل على إعراضهم عن الحق ، وعكوفهم على ما ألفوه بدون تفكر أو تدبر وقد رد عليهم موسى ردا منطقيا حكيما ، حكاه القرآن في قوله : (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ.) ..
أى : وقال موسى في رده على فرعون وملئه : ربي الذي خلقني وخلقكم ، أعلم منى ومنكم بمن جاء بالهدى والحق من عنده ، وسيحكم بيني وبينكم بحكمه العادل.
ولم يصرح موسى ـ عليهالسلام ـ بأنه يريد نفسه ، بالإتيان بالهداية لهم من عند الله ـ تعالى ـ ليكفكف من عنادهم وغرورهم ، وليرخى لهم حبل المناقشة ، حتى يخرس ألسنتهم عن طريق المعجزات التي أيده الله ـ تعالى ـ بها.
وقوله : (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) معطوف على ما قبله.
أى : وربي ـ أيضا ـ أعلم منى ومنكم بمنى تكون له النهاية الحسنة ، والعاقبة الحميدة.
قال الآلوسي : وقوله : (وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) وهي الدنيا ، وعاقبتها أن يختم للإنسان بها ، بما يفضى به إلى الجنة بفضل الله ـ تعالى ـ وكرمه. (١)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٠ ص ٧٩.