والمعنى : نتلو عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ تلاوة كلها حق وصدق ، شيئا عجيبا ، وخبرا هاما ، يتعلق بقصة موسى ـ عليهالسلام ـ ، وبقصة فرعون.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أى : نتلو عليك هذه الآيات ، لقوم يؤمنون بها ، وينتفعون بما اشتملت عليه من هدايات وعبر وعظات.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ ، وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ..). كلام مستأنف لتفصيل ما أجمله من النبأ.
وقوله (عَلا فِي الْأَرْضِ) أى تكبر فيها وطغى ، من العلو بمعنى الارتفاع. والمقصود أنه جاوز كل حد في غروره وظلمه وعدوانه. والمراد بالأرض : أرض مصر وما يتبعها من بلاد.
و (شِيَعاً) جمع شيعة ، وهم الأتباع والجماعات ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعته.
أى : إن فرعون طغى وبغى وتجبر في الأرض ، وجعل أهلها شيعا وأتباعا له ، وصار يستعمل كل طائفة منهم ، فيما يريده من أمور دولته ، فهذه الطائفة للبناء ، وتلك للسحر ، وثالثة لخدمته ومناصرته على ما يريد ..
وجملة (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) لبيان حال الذين جعلهم شيعا وأحزابا.
والمراد بهذه الطائفة : بنو إسرائيل.
أى : أنه بعد أن جعل أهل مملكته شيعا وأحزابا اختص طائفة منهم بالإذلال والقهر والظلم ، فصار يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم. أى : يذبح الذكور من بنى إسرائيل بمجرد ولادتهم ، ويترك الإناث أحياء.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : وفي ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه :
أحدها : أن ذبح الأبناء يقتضى فناء الرجال. وذلك يقتضى انقطاع النسل ..
ثانيها : أن هلاك الذكور يقتضى فساد مصالح النساء في المعيشة ، فإن المرأة لتتمنى الموت إذا انقطع عنها تعهد الرجال ..
ثالثها : أن قتل الذكور عقب الحمل الطويل ، وتحمل الكد ، والرجاء القوى في الانتفاع به ، من أعظم العذاب ..
رابعها : أن بقاء النساء بدون الذكران من أقاربهن ، يؤدى إلى صيرورتهن مستفرشات للأعداء ، وذلك نهاية الذل والهوان (١).
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ١ ص ٣٥٨.