فقال : من بين ما قال : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.). (١).
وقال ـ سبحانه ـ : (يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) للإشارة إلى أن القرآن ترك أشياء اختلفوا فيها دون أن يحكيها ، لأنه لا يتعلق بذكرها غرض هام يستدعى الحديث عنها ، ولأن في عدم ذكرها سترا لهم ، عما وقعوا فيه من أخطاء ..
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) صفة أخرى من صفات القرآن الكريم الدالة على أنه من عند الله ـ تعالى ـ :
أى : وإن هذا القرآن لمن صفاته ـ أيضا ـ أننا جعلناه هداية للمؤمنين إلى الصراط المستقيم ، ورحمة لهم ينالون بسببها العفو والمغفرة من الله.
وخص هدايته ورحمته بالمؤمنين ، لأنهم هم الذين آمنوا به ، وصدقوا بما فيه ، وعملوا بأوامره ، واجتنبوا نواهيه ، وطبقوا على أنفسهم أحكامه ، وآدابه. وتشريعاته ..
ثم بين ـ سبحانه ـ أن مرد القضاء بين المختلفين إليه وحده فقال : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ ..).
أى : إن ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ يقضى بين بنى إسرائيل الذين اختلفوا فيما بينهم اختلافا كبيرا ، بحكمه العادل ، كما يقضى بين غيرهم ، فيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
(وَهُوَ) ـ سبحانه ـ (الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْعَلِيمُ) بكل شيء في هذا الوجود ، والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ..). للتفريع. أى : ما دمت قد عرفت ذلك ـ أيها الرسول الكريم ـ ففوض أمرك إلى العزيز العليم وحده ، وتوكل عليه دون سواه ، وبلغ رسالته دون أن تخشى أحدا إلا إياه.
وجملة «إنك على الحق المبين» تعليل للتوكل على الله وحده.
أى : توكل على الله ـ تعالى ـ وحده ، لأنك ـ أيها الرسول الكريم ـ على الحق الواضح البين ، الذي لا تحوم حوله شبهة من باطل.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ، وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ..). تعليل آخر لوجوب التوكل على الله ـ تعالى ـ.
وقد شبه ـ سبحانه ـ أولئك المشركين ، بالأموات الذين فقدوا الحياة ، وبالصم الذين
__________________
(١) سورة النساء الآية ١٧١.