على الرشد (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) أى : فهم يتحيرون ويتخبطون ويرتكبون ما يرتكبون من قبائح ، ظنا منهم أنها محاسن.
وصدق الله إذ يقول : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ، فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ..). (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ قبح عاقبتهم فقال : (أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ).
أى : أولئك الذين لم يؤمنوا بالآخرة ، لهم أشد أنواع العذاب الذي يذلهم ويؤلمهم في الدنيا (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) أى : وهم في الآخرة أشد خسارة منهم في الدنيا إذ عذاب الدنيا له نهاية. أما عذاب الآخرة فلا نهاية له.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) كلام مستأنف سيق بعد بيان بعض صفات القرآن الكريم ، تمهيدا لما سيأتى بعد ذلك من قصص وآداب وأحكام وهدايات.
وقوله (لَتُلَقَّى) من التلقي بمعنى الأخذ عن الغير ، والمراد به جبريل ـ عليهالسلام ـ.
أى : وإنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لتتلقى القرآن الكريم بواسطة جبريل ـ عليهالسلام ـ من لدن ربك الذي يفعل كل شيء بحكمة ليس بعدها حكمة ، ويدبر كل أمر بعلم شامل لكل شيء.
وصدرت هذه الآية الكريمة بحرفى التأكيد ـ وهما إن ولام القسم ـ للدلالة على كمال العناية بمضمونه.
والتعبير بقوله (لَتُلَقَّى) يشعر بمباشرة الأخذ عن جبريل ـ عليهالسلام ـ بأمر الله ـ تعالى ـ الحكيم العليم ، كما يشعر بقوته وشدته ، كما في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً).
وجاء الأسلوب بالبناء للمفعول في قوله : «تلقى» وحذف الفاعل وهو جبريل للتصريح به في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (٢).
وجمع ـ سبحانه ـ في وصفه لذاته بين الحكمة والعلم ، للدلالة على أن هذا القرآن تتجلى فيه كل صفات الإتقان والإحكام ، لأنه كلام الحكيم في أفعاله ، العليم بكل شيء.
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٨.
(٢) سورة الشعراء الآية ١٩٣ ـ ١٩٤.