أى : أرسلنا نوحا إلى قومه ، فقال لهم ما قاله كل نبي : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فإنكم ليس لكم إله سواه ، فهو الذي خلقكم ، وهو الذي رزقكم. وهو الذي يحييكم وهو الذي يميتكم ، وكل معبود غيره ـ سبحانه ـ فهو باطل.
وفي ندائهم بقوله : (يا قَوْمِ) تلطف في الخطاب ، ليستميلهم إلى دعوته ، فكأنه يقول لهم : أنتم أهلى وعشيرتي يسرني ما يسركم ، ويؤذيني ما يؤذيكم ، فاقبلوا دعوتي ، لأنى لكم ناصح أمين.
وقوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) تحذير لهم من الإصرار على شركهم ، بعد ترغيبهم في عبادة الله ـ تعالى ـ وحده بألطف أسلوب.
أى : أفلا تتقون الله ـ تعالى ـ وتخافون عقوبته ، بسبب عبادتكم لغيره ، مع أنه ـ سبحانه ـ هو الذي خلقكم فالاستفهام للإنكار والتوبيخ.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما رد به قوم نوح عليه فقال : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ..
والمراد بالملإ : أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح. وهذا اللفظ اسم جمع لا واحد له من لفظه ـ كرهط ـ وهو مأخوذ من قولهم : فلان ملئ بكذا ، إذا كان قادرا عليه. أو لأنهم متمالئون أى : متظاهرون متعاونون ، أو لأنهم يملؤون القلوب والعيون مهابة ...
وفي وصفهم بالكفر : تشنيع عليهم وذم لهم ، وإشعار بأنهم عريقون فيه. أى : فقال الأغنياء وأصحاب النفوذ الذين مردوا على الكفر ، في الرد على نبيهم نوح عليهالسلام : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).
أى : قالوا لأتباعهم على سبيل التحذير من الاستماع إلى دعوة نبيهم ، ما هذا ، أى : نوح عليهالسلام ـ إلا بشر مثلكم ، ومن جنسكم ، ولا فرق بينكم وبينه فكيف يكون نبيّا؟
ولم يقولوا : ما نوح إلا بشر مثلكم ، بل أشاروا إليه بدون ذكر اسمه ، لأنهم لجهلهم وغرورهم يقصدون تهوين شأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في أعين قومه.
وقولهم : (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أى : أن نوحا جاء بما جاء به بقصد الرياسة عليكم.
ومرادهم بهذا القول : تنفير الناس منه ، وحضهم على عداوته.
وقولهم : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) استبعاد منهم لكون الرسول من البشر أى : ولو شاء الله أن يرسل رسولا ليأمرنا بعبادته وحده. لأرسل ملائكة ليفعلوا ذلك ، فهم ـ