تعالى ـ فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله ، فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ.
واسم الإشارة (تِلْكَ) يعود إلى الآيات القرآنية التي تضمنتها هذه السورة الكريمة أو إلى جميع آيات القرآن التي نزلت قبل ذلك.
والمراد بالكتاب القرآن الكريم الذي تكفل ـ سبحانه ـ بإنزاله على نبيه صلىاللهعليهوسلم.
والمبين : اسم فاعل من أبان الذي هو بمعنى بان ، مبالغة في الوضوح والظهور.
قال صاحب الصحاح : «يقال : بان الشيء يبين بيانا ، أى : اتضح ، فهو بين ، وكذا أبان الشيء فهو مبين» (١).
أى : تلك الآيات القرآنية التي أنزلناها عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ والتي سننزلها عليك تباعا حسب حكمتنا وإرادتنا ، هي آيات الكتاب الواضح إعجازه ، والظاهرة هداياته ودلالاته على أنه من عند الله ـ تعالى ـ ، ولو كان من عند غيره ـ سبحانه ـ لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ثم خاطب ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم بما يسليه عن تكذيب المشركين له ، وبما يهون عليه أمرهم فقال ـ تعالى ـ (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).
قال بعض العلماء ما ملخصه : اعلم أن لفظة لعل تكون للترجى في المحبوب ، وللإشفاق في المحذور.
واستظهر أبو حيان في تفسيره ، أن لعل هنا للاشفاق عليه صلىاللهعليهوسلم أن يبخع نفسه لعدم إيمانهم.
وقال بعضهم : إن لعل هنا للنهى ، أى : لا تبخع نفسك لعدم إيمانهم وهو الأظهر ، لكثرة ورود النهى صريحا عن ذلك. قال ـ تعالى ـ : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٢).
والمعنى : لعلك ـ أيها الرسول الكريم ـ قاتل نفسك هما وغما. بسبب تكذيب الكافرين لك ، وعدم إيمانهم بدعوتك وإعراضهم عن رسالتك التي أرسلناك بها إليهم ..
لا ـ أيها الرسول الكريم ـ لا تفعل ذلك ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ، وإنك لا تستطيع هداية أحد ولكن الله ـ تعالى ـ يهدى من يشاء ، وإننا (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).
ومفعول المشيئة محذوف ، والمراد بالآية هنا المعجزة القاهرة التي تجعلهم لا يملكون انصرافا
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٣.
(٢) تفسير أضواء البيان ج ٤ ص ١٤ للمرحوم الشيخ محمد الأمين الشنقيطى.