قال ـ تعالى ـ : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ. وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا ..).
والمعنى : واذكر ـ أيها العاقل ـ يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاء ، يوم يعض الظالم على يديه من شدة غيظه وندمه وحسرته.
ويقول في هذا اليوم (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً).
أى : يا ليتني سلكت معه طريق الحق الذي جاء به ، واتبعته في كل ما جاء به من عند ربه.
(يا وَيْلَتى) أى : ثم يقول هذا الظالم يا هلاكي أقبل فهذا أوان إقبالك ، فهذه الكلمة تستعمل عند وقوع داهية دهياء لا نجاة منها ، وكأن المتحسر ينادى ويلته ويطلب حضورها بعد تنزيلها منزلة من يفهم نداءه.
(لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) أى : ليتني لم أتخذ فلانا الذي أضلنى في الدنيا صديقا وخليلا لي. والمراد بفلان : كل من أضل غيره وصرفه عن طريق الحق ، ويدخل في ذلك دخولا أوليا أبى بن خلف.
(لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) أى : والله لقد أضلنى هذا الصديق المشئوم عن الذكر أى : عن الهدى بعد إذ جاءني الرسول صلىاللهعليهوسلم فالجملة الكريمة تعليل لتمنيه المذكور ، وتوضيح لتملله. وأكده بلام القسم للمبالغة في بيان شدة ندمه وحسرته.
والمراد بالذكر هنا : ما يشمل القرآن الكريم ، وما يشمل غيره من توجيهات النبي صلىاللهعليهوسلم وفي التعبير بقوله : (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) إشعار بأن هدى الرسول صلىاللهعليهوسلم قد وصل إلى هذا الشقي ، وكان في إمكانه أن ينتفع به.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) أى : وكان الشيطان دائما وأبدا. خذولا للإنسان. أى : صارفا إياه عن الحق ، محرضا له على الباطل ، فإذا ما احتاج الإنسان إليه خذله وتركه وفر عنه وهو يقول : إنى برىء منك.
يقال : خذل فلان فلانا ، إذا ترك نصرته بعد أن وعده بها.
وهكذا تكون عاقبة الذين يتبعون أصدقاء السوء ، وصدق الله إذ يقول : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (١).
ومن الأحاديث التي وردت في الأمر باتخاذ الصديق الصالح ، وبالنهى عن الصديق الطالح ،
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ٦٧.