وقوله تعالى : (إِذا رَأَتْهُمْ ..). الضمير فيه يعود إلى «سعيرا» والتغيظ في الأصل : إظهار الغيظ ، وهو شدة الغضب الكامن في القلب.
والزفير : ترديد النفس من شدة الغم والتعب حتى تنتفخ منه الضلوع ، فإذا ما اشتد كان له صوت مسموع.
والمعنى : أن هؤلاء الكافرين الذين كذبوا بالساعة ، قد اعتدنا لهم بسبب هذا التكذيب نارا مستعرة ، إذا رأتهم هذه النار من مكان بعيد عنها. سمعوا لها غليانا كصوت من اشتد غضبه ، وسمعوا لها زفيرا. أى : صوتا مترددا كأنها تناديهم به.
فالآية الكريمة تصور غيظ النار من هؤلاء المكذبين تصويرا مرعبا ، يزلزل النفوس ويخيف القلوب.
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) يزيد هذه الصورة رعبا وخوفا ، لأنها لم تنتظرهم إلى أن يصلوا إليها ، بل هي بمجرد أن تراهم من مكان بعيد ـ والعياذ بالله ـ يسمعون تغيظها وزفيرها وغضبها عليهم ، وفرحها بإلقائهم فيها.
قال الآلوسى : وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر ، وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد ، إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار ، فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكا كهذه الآية ، وكقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (١). وقوله : صلىاللهعليهوسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري : «شكت النار إلى ربها فقالت : رب أكل بعضى بعضا ، فأذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ..» (٢).
ثم حكى ـ سبحانه ـ حالهم عند ما يستقرون فيها فقال : (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً).
أى : أن النار إن رأت هؤلاء المجرمين سمعوا لها ما يزعجهم ويفزعهم ، (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً) أى : وإذا ما طرحوا فيها في مكان ضيق منها ، حالة كونهم (مُقَرَّنِينَ) أى : مقيدين بالأغلال بعضهم مع بعض أو مع الشياطين الذين أضلوهم.
(دَعَوْا هُنالِكَ) أى : تنادوا هنالك في ذلك المكان بقولهم (ثُبُوراً) أى : هلاكا وخسرانا يقال فلان ثبره الله ـ تعالى ـ أى : أهلكه إهلاكا لا قيام له منه.
__________________
(١) سورة ق الآية ٣٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٨ ص ٢٤٢.