هذا التّناقض
في الأقوال ، إن دلّ على شي ، فهو دليلٌ على عدم التّقييم الصّحيح لمفهوم الحرّية
، هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ اخرَى لم تُدرس الأخلاق الدينيّة ، وخصوصاً الأخلاق
الإسلاميّة ، دراسةً كافيةً ووافيةً.
ولذلك يجب أن
ندرس في بادي الأمر ، مسألة الحريّة. ولماذا يطلب الإنسان الحريّة بكلّ وجوده؟ ،
ولماذا يجب أن يكون الإنسان حرّاً؟ ، وما هو دور الحريّة في تربية الجسم والرّوح؟
، وبكلمةٍ واحدةٍ : ما هي «فلسفُة الحريّة»؟.
إنّ الجواب على
كلّ هذه الأسئلة يتلخّص في ما يلي :
يوجد في داخل
الإنسان قابلياتٌ وملكاتٌ وقوى خفيّةٌ ، لا تخرج من القوّة إلى الفعل إلّا
بالحريّة ، والإنسان يسعى للتّكامل ، ويتحرك على مستوى ترشيد إستعداداته وقُدراته
، فهو يطلب الحريّة لأجل ذلك.
ولكن هل أن
الحرّية التي تساعد على تفعيل قدرات الإنسان ، هي حرية بلا قيد ولا شرط ، أم أنّها
الحريّة المتحرّكةِ في إطارٍ من التّنظيرٍ العقلي والدّيني؟.
ويُمكن تبيان
هذا المطلب مع ذكر مثالين :
إفترضوا أنّ
هناك فلّاحاً ، قررّ أن يزرع أنواع الورود والفواكه في بستانه ، وتحرّك لتحقيق هذا
الغرض ، على مستوى حرث الأرض وغرس النّباتات وسقيها في موعدها في كلّ مرّةٍ ، فَمن
البديهي أن تكون الشّجرة مغروسةً في الفضاء الحرّ ، لتأخذ قِسطها من النّور
والهواء والمطر ، وستمدّ جذورها في الأرض بحرّيةٍ ، وإذا لم تتوفر لها تلك العوامل
، فلن تثمرَ ولن يحصلَ الفلّاح على ثمن أتعابه ، وبناءً على ذلك ، فإنّ حريّة
الجذور والأوراق ، ضروريّة لكي تعطي الثمر ، ولكن من الممكن أن ينحرف غُصن من
الأغصان في تلك الشّجرة ، فيقطعه الفلّاح بلا رحمةٍ ولا رأفةٍ ، لأنّ هذا الغَصن
يستهلك قوّة الشّجرة ، فلا أحد له الحقّ في الإعتراض على الفلّاح ، بسبب هذا
العمل.
ويمكن أن
يُقَوِّم الفلّاح الشّجرة المائلة ، أو الفرع المعوّج ، بشدّه إلى خشبةٍ مستقيمة ،
فكذلك لا حقّ لأحدٍ أن يعترض عليه في ذلك ، ويقول له : لماذا قيّدت الشّجرة بهذا
القيد ، ولم