«الدّهاء والمكر» ، هو الإفراط في القوّة العقلية ، لأنّ «الدّهاء والمكر» لا ينشأ من الذّكاء والفهم ، بل هو نوعٌ من الإنحراف والإشتباه في المسائل ، للعجلة في الحكم على الامور وما يُشابهها.
فالرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وصل إلى درجةٍ في العقل والفكر ، بحيث اطلق عليه العَقلُ الكلّ ، فهل هذا مخالفٌ للفضيلة؟!
وصحيحٌ أنّ العقل والذّكاء المُفرط ، يسبّب آلاماً ومصاعب لا يلاقيها الغافلون ، غير المطّلعين ، ولكنّه مع ذلك يعتبر من الفضائل والكمالات.
وكذلك «العدالة» ، حسبوها من الفضائل الأخلاقيّة ، والإفراط والتّفريط فيها هو «الظّلم» و «الإنظِلام» ، أي (قبول الظّلم) ، والحال أنّ قبول الظّلم والانصياع له لا يمكن أن يُعتبر من التّفريط في العدالة أبداً ، بل هو مقولةٌ اخرى.
وبناءً على ذلك ، فمسألة الإعتدال في صِفات الفضيلة ، في مقابل الإفراط والتّفريط للصّفات الرّذيلة ، يمكن أن يكون مقبولاً في أغلب الموارد ، ولكن لا يمكن أن يُعتبر حُكماً عامّاً ، وأصلاً أساسياً في البحوث الأخلاقيّة.
النتيجة : أنّ الاصول الأربعة التي أعدّها القدماء للأخلاق ، هي في الواقع إكمالٌ لما جاء به فلاسفةُ اليونان القُدماء ، لكنّها لا يمكن أن تكون نموذجاً ومقسماً جامعاً للصّفات الأخلاقيّة ، وإن كانت تصدق على كثيرٍ من المسائل الأخلاقيّة.
العودة للُاصول الأخلاقيّة في القرآن الكريم :
نعود لتحليل الاصول الأخلاقيّة التي نستوحيها من القرآن الكريم ، فنحن نعلم أنّ القرآن الكريم لم يُنظّم ككتابٍ تقليدي ، في أبوابٍ وفصولٍ ، كما هو المتعارف اليوم ، بل هو مجموعةٌ من القاءات الوحي السّماوي ، نزل بالتّدريج على حسب الحاجة والضّرورة ، ولكن وبالإستفادة من طريقة التّفسير الموضوعي ، يمكن وضعه في مثل هذه القوالب.
ومن التّقسيمات الّتي يمكن إستيحاؤها وإستفادتها من مجموع الآيات القرآنية ، هو تقسيم