وَوَرد في حديثٍ عن الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال :
«إِنَّ لِسانَ المُؤمِنِ وَراءَ قَلْبِهِ ، فَإِذا أَرادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِشيءٍ تَدَبِّرَهُ بِقَلْبِهِ ، ثُمَّ أَمضاهُ بِلِسانِهِ وإنَّ لِسانَ المُنافِقِ أَمامَ قَلْبِهِ ، فَإِذا هَمَّ بِشيءٍ أَمضاهُ بِلِسانِهِ وَلَم يَتَدَبَّرْهُ بِقَلْبِهِ» (١).
وَوَرد نفسُ هذا المعنى ، مع بعض الإختلاف في كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام ، في الخُطبة (١٧٦) من نهج البلاغة.
ونقرأ في تعبيرٍ آخر ورد عن الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ، أنّه قال : «قَلْبُ الأَحْمَقِ في فَمِهِ ، وَفَمُ الحَكِيمِ فِي قَلْبِهِ» (٢).
فَمن البَديهي ، أنّ المراد من القلب هُنا هو العقل والفكر ، وَوُجود اللّسان في موقع الأمام أو الخلف ، هو كنايةٌ عن التدبّر والتفكّر في محتوى الكلمات والألفاظ ، قبل النّطق بها ، وبالفِعل كم يكون جميلاً ، لو أنّنا حسبنا لكلامنا حسابه ، وفكّرنا في كلّ كلمةٍ نريد أن نقولها ، والدّوافع والنّتائج التي ستعقبها ، وهل أنّها من اللّغو أو ممّا يفضي إلى إيذاء مؤمنٍ ، أو إلى تأييد ظالم وأمثال ذلك ، أو أنّها تنطلق من موقع الدّوافع الإلهيّة ، ولغرض حماية المظلوم ، وفي طريقٌ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكسب مَرضاة الله تعالى؟!.
ونَختم هذا الكلام ، بحديثٍ جامعٍ لجميع الموارد المذكورة آنفاً ، يمنح قلب الإنسان نوراً وصفاءً ، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال :
«إِنْ أَحبَبتَ سَلامَةَ نَفْسِكَ وَسَترَ مَعايبِكَ ، فَاقْلِل كَلامَكَ وَأَكْثِر صَمْتَكَ ، يَتَوفَّرْ فِكْرُكَ وَيَستَنِرُ قَلْبُكَ». (٣)
هذه هي خلاصة دور اللّسان في تهذيب النّفس ، وطهارة الأخلاق والاصول الكلّية لحفظ اللّسان ، وبالطّبع سوف نقدم شرحاً وافياً ، لتفاصيل أهمّ الإنحرافات والذّنوب اللّسانيّة ، كالغيبة والتّهمة والكَذب والَنميمة ونشر الأكاذيب وإشاعة الفحشاء ، وذلك في المجلّد الثاني من الكتاب ، إن شاء الله تعالى ، بعد الإنتهاء من بيان الاصول الكلّية لِلقيم الأخلاقيّة.
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء ، ج ٥ ، ص ١٩٥.
٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٧٥ ، ص ٣٧٤.
٣ ـ غُرر الحكم ، ص ٢١٦ ، ص ٤٢٥٢.