والسّائر في خطّ التّوبة والمراقبة ، يعيش الحالة هذه أيضاً ، فإنّ الشّياطين من الجِنّ والإنس مُترصّدون لِغوايته ، هذا بالإضافة إلى النّفس الأمّارة ، وهوى النّفس ، فإذا لم يُراقب نفسه وأعماله ، فلا يأمن معها ، مِنْ أن تسرق جوهرة الإيمان والتّقوى ، وينتقل من هذه الدنيا ، خالي الوفاض وصفَر اليدين ، وفي الآيات والرّوايات إشاراتٌ كثيرةٌ ، وتلميحاتٌ متنوعةٌ حول هذه المرحلة ، ومنها :
١ ـ الآية (١٤) من سورة العَلَق : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى).
فهي إشارةٌ إلى مراقبة الله تعالى لَه ، وعليه مُراقبة أعماله أيضاً.
وَوَجَّه في آيَةٍ اخرى الخطاب لِلمؤمنين : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(١).
فَجُملة : (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...) ، تبيّن لنا في الحقيقة مفهوم المراقبة للنفس ، على مستوى السّلوك والعمل.
وَوَرَد نفس المعنى ، ولكن بشكلٍ مُقتضبٍ ، في سورة عَبَس ، الآية (٢٤) : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) ، (من الحلال والحرام) (٢).
٢ ـ ورد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في تفسير الإحسان في الآية : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) ، فقال : «الإحسانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَراهُ فَإِنْ لَم تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَراكَ» (٣).
ومن الطّبيعي فإنّ المُعايشة مع هذه الحقيقة ، وهي أنّ البّاري تعالى معنا أينما كُنّا ، والرّقيب علينا ، من شأنه أن يخلق فينا روح الرّقابة ، ونكون معها دائبين على الإنسجام ، مع خطّ الرّسالة من موقع الإلتزام.
٣ ـ ورد حديثٌ عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قال : «يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُهَيمِناً عَلى
__________________
١ ـ سورة الحشر ، الآية ١٨.
٢ ـ هذا على ما جاء في بعض التّفاسير ، وقد جاء في تفاسير اخرى ، أنّ المقصود هو النّظر والإعتبار بخلقة الله تعالى ، لإنكشاف الآيات والملاحظات التّوحيدية عند الإنسان ، ولا تنافي بين التّفسيرين.
٣ ـ كنز العمّال ، ج ٣ ، ص ٢٢ ، ح ٥٢٥٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٤.