والحقّ والتّكامل ، هذا هو الهدف الأصلي للإنسان ، في دائرة الوصول لمرتبة
القرب الإلهي ، والعبودية الحقّة ، قال الباري تعالى : «وَما خَلَقْتُ الجِنَّ
وَالإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ» .
ولا شك فإنّ
وجوب التّوبة ، وقبولها من قبل الباري تعالى ، يشكّل إحدى حلقات التّكامل المعنوي
للإنسان ، لأنّ الإنسان من طبيعته الخطأ ، فإذا أوصد الباب دونه ، فلن يتكامل
أبداً.
وإذا ما احيط
الإنسان علماً بالتّوبة ، وأنّ الباري فتح الباب أمامه بشرط إصلاح ما مضى ، فمثل
هذا الإنسان يكون أقرب للسّعادة والتّكامل ، ويبتعد عن الإنحراف والخطأ في مسيرة
الحياة.
والنّتيجة :
أنّ عدم قبول التّوبة يؤدي إلى نقض الغرض ، لأنّ الهدف من التّكاليف والطّاعة ، هو
تربية وتكامل الإنسان ، وعدم قبولها لا ينسجم مع هذا الغرض ، ومن البعيد عقلاً على
الحكيم ، أن ينقض غرضه.
وعلى كلّ حال ،
فإنّ التّوبة وقبولها لها علاقةٌ وثيقةٌ بالتّكامل الإنساني ، وبدونها سينتفي
الدّافع والقصد للتّكامل ، وسيكون الإنسان في غاية اليأس من النّجاة ، مما يشجعه
على الّتمادي في إرتكاب المعاصي ومُمارسة الجريمة ، ولذلك فإنّ كلّ المربّين ،
سواء كانوا إلهيين أم ماديّين ، يؤكّدون على مسألة التّوبة ، ويجعلون الطّريق
مفتوحاً دائماً أمام الخاطئين ، كَي يُحرّكوا فيهم روح الأنابة ، ودافع الإصلاح
والحركة نحو الكمال المُطلق.
وعليه فإنّ
التوبة بشرائطها ، لم تحكم بها الآيات والرّوايات فقط ، بل هي ثابتة بحكم العقل
وسيرة العُقلاء ، وهذا أمرٌ لا يمكن تجاهله البتّة.
٦ ـ التّبعيض في التّوبة
هل يمكن
للإنسان أن يقيم على بعض الذّنوب ، ويتوبَ عن البعض الآخر؟ ؛ فمثلاً إذا كان يشربُ
الخَمر ويغتابُ الناس ، فهل يصحّ منه الإقلاع عن الخمر فقط ، بينما يستمر في خط
الغِيبة؟
__________________