وبما أنّ علم
الأخلاق ، له اليد الطُولى في المساعدة على دفع ورفع الرذائل ، والتي هي بمثابة
الحُجب على القلوب ، فمن البديهي أن تكون الأخلاق من اسس ومقدمات العرفان الإلهي.
وأما «السّير والسّلوك إلى
الله» ، والذي يكون
هدفه النّهائي هو معرفة الله والقرب منه ، فهو في الحقيقة مجموعة من «العرفان» و «الأخلاق»
، فما كان من «السّير
والسّلوك الباطني» ، فهو نوع من «العرفان» ، الذي يوصل الإنسان يوماً بعد يوم للذات الإلهيّة
، ويرفع عن قلبه الحجب والأدران ، ويمهد الطّريق إليه ؛ وما كان من «السّير والسّلوك
الخارجي» : فهو نفس الأخلاق التي تهدف لتهذيب النفوس ، وليس فقط لأجل الحياة الماديّة
المرفّهة.
٤ ـ علاقة العلم بالأخلاق
بالنّسبة
للآيات السّابقة وكما ذكرنا أنّ القرآن الكريم ، أتى ب : «تعليم الكتاب والحكمة» إلى جانب : «التزكية والتّهذيب الأخلاقي» ، فتارةً يقدِّم «التّزكية» على «التّعليم» ، واخرىُ
يقدِّم «التعليم» على التزكية ، وهو أمر يُبيّن مدى العلاقة الوثيقة التي تربط بين
الإثنين.
وهذا يعني أنّ
الإنسان ، عند ما ينفتح على المعرفة ، وتكون لديه خبرةٌ بالأعمال الحسنة والسيئة ،
ويعرف عواقب «الفضيلة» و «الرذيلة» ، فممّا لا شك فيه أنّها ستؤثر في تربيته ،
بحيث يمكن القول أنّ كثيراً من الرذائل ناتجة من عدم الإطّلاع والفهم. ومن ذلك
يمكن القول ؛ أنَّه إذا ما إستطعنا أن ننهض بالمستوى العلمي للأفراد ، وبعبارةٍ
اخرى : إذا أمكننا نشر الثقافة بين الناس ، فستحل الفضائل مكان الرّذائل ، وإن كان
هذا الأمر ليس كليّاً.
ومع الأسف
الشديد ، نرى أنّ البعض بالغوا فيها لدرجة الإفراط والتّفريط.
فبعض إتّبعوا
الحكيم سُقراط اليوناني ، حيث كان يعتقد بأنّ العلم والحكمة هي منشأ الأخلاق
الحميدة ، والرّذائل الأخلاقيّة منشؤها الجهل ، ولذلك فإنّه كان يعتقد أيضاً أنّه
ولأجل محاربة الفساد والرّذائل الأخلاقية وإحلال الفضائل الأخلاقية محلّها ، يجب
العمل على رفع المستوى العلمي للمجتمع ، وبالتّالي تتساوى (الفضيلة) مع (المعرفة).