أشارت إلى فئةٍ من اليهود الذين مارسوا أنواعاً كثيرةً من الجرائم بحقّ الإسلام والمسلمين من قبيل التّجسس وتحريف الحقائق الواردة في الكتب السّماويّة ، فقال الباري تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
ويعقّب مباشرةً قائلاً : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ).
وهذا التعبير يبيّن أنّ عدم طهارة قلوبهم ، إنّما كان نتيجة لأعمالهم ، الّتي منها تكذيب الرّسول والآيات الإلهيّة ، وأكلهم للحرام بصورةٍ دائمةٍ ، ومن البعيد في خطّ البّلاغة والفصاحة ، أن يأتي بأوصاف لا علاقة لها بجملة : (لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).
ومنها يعلم أنّ أكل السّحت يسوّد القلب ويُميته ، ويكون سبباً لنفوذ عناصر الرّذيلة ، والزيغ ، والإبتعاد عن الخير والفضائل.
وفي الآية (٩١) من سورة المائدة ، ورد الحديث عن شرب الخمر ولعب القمار ، فقال عزّ من قائل : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ).
ولا شك فإنّ العداوة والبغضاء ، هي من الحالات الباطنيّة ، التي ترتبط برابطةٍ وثيقةٍ مع شرب الخمر ولعب القمار ، كما ورد في الآية الشريفة ، وهو دليل على أنّ أكل السّحت والشّراب الحرام يساعد على بروز الرذائل الأخلاقية ، وتكريس حالات العداء والخصومة بين الأفراد ، في خط الشيطان.
ونقرأ في الآية (٥١) من سورة المؤمنون ، قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً).
ويعتقد بعض المفسّرين أنّ تقارن ذكر هذين الأمرين : وهما «أكل الطّيبات والعمل الصالح» ، هو خير دليلٍ على وثاقة العلاقة بينهما ، وهي إشارةٌ إلى أنّ إختلاف وتنوّع الأكلات والأطعمة ، له معطيات أخلاقية مختلفة ومتنوّعة أيضاً ، فأكل الطيّبات ، يطيّب الرّوح ويصلح العمل ، وبالعكس فإنّ الأكل الحرام يُظلم الرّوح ، ويخبّث العمل (١).
وقد إستدلّ في تفسير «روح البيان» ، وبعد إشارته لعلاقة العمل الصّالح بأكل الطيّبات ،
__________________
١ ـ يرجى الرجوع إلى تفسير الأمثل ، ذيل الآية ٥١ ، من سورة المؤمنون.