وقوله ـ تعالى ـ : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) إرشاد لما يقوله الذابح عند ذبحها.
وصواف : جمع صافة. أى : قائمات قد صففن أيديهن وأرجلهن استعدادا للذبح!.
أى : إذا ما هيأتم هذه الإبل للذبح ، فاذكروا اسم الله عليها ، بأن تقولوا عند نحرها : بسم الله والله أكبر ، اللهم منك وإليك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) بيان لما ينبغي عليهم فعله بعد ذبحها.
ووجبت بمعنى سقطت : وهو كناية عن موتها. يقال : وجب الجدار إذا سقط ، ووجبت الشمس إذا غابت.
والقانع : هو الراضي بما قدره الله ـ تعالى ـ له ، فلا يتعرض لسؤال الناس مأخوذ من قنع يقنع ـ كرضى يرضى ـ وزنا ومعنى.
والمعتر : هو الذي يسأل غيره ليعطيه. يقال : فلان يعترى الأغنياء ، أى : يذهب إليهم طالبا عطاءهم.
وقيل : القانع هو الطامع الذي يسأل غيره ، والمعتر : هو الذي يتعرض للعطاء من غير سؤال وطلب.
أى : فإذا ما سقطت جنوب هذه الإبل على الأرض ، وأعددتموها للأكل فكلوا منها ، وأطعموا الفقير القانع الذي لا يسألكم ، والفقير المعتر الذي يتعرض لكم بالسؤال والطلب.
ثم بين ـ سبحانه ـ مظاهر فضله عليهم ، حيث ذلل هذه الأنعام لهم فقال : (كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وقوله (كَذلِكَ) نعت لمصدر محذوف. أى : مثل ذلك التسخير البديع سخرنا لكم هذه الأنعام ، وذللناها لكم ، وجعلناها منقادة لأمركم ، لعلكم بعد أن شاهدتم هذه النعم ، وانتفعتم بها ، تكونون من الشاكرين لنا ، والمستجيبين لتوجيهاتنا وإرشادنا.
قال صاحب الكشاف : منّ الله على عباده واستحمد إليهم ، بأن سخر لهم البدن مثل التسخير الذي رأوا وعلموا. يأخذونها منقادة للأخذ طيعة ، فيعقلونها ويحبسونها صافة قوائمها ، ثم يطعنون في لبانها. ولو لا تسخير الله لم تطعن ، ولم تكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما ، وأقل قوة ، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا على ذلك (١).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ١٥٩.