وحسابه لعباده يوم القيامة ، خافت قلوبهم ، وحذرت معصيته ـ تعالى ـ.
والذين من صفاتهم كذلك : الصبر على ما يصيبهم من مصائب ومحن في هذه الحياة ، والمداومة على أداء الصلاة في مواقيتها بإخلاص وخشوع ، والإنفاق مما رزقهم الله ـ تعالى ـ على الفقراء والمحتاجين.
فإن قيل : كيف نجمع بين هذه الآية التي وصفت المؤمنين الصادقين بأنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. وبين قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
فالجواب : أنه لا تنافى بين الآيتين ، لأن من شأن المؤمن الصادق أنه إذا استحضر وعيد الله وحسابه لعباده يوم القيامة ، امتلأ قلبه بالخشية والخوف والوجل.
فإذا ما استحضر بعد ذلك رحمته ـ سبحانه ـ وسعة عفوه ، اطمأن قلبه وسكن روعه ، وثبت يقينه ، وانشرح صدره ، واستسلم لقضاء الله وقدره بدون تردد أو تشكك أو جزع.
فالوجل والاطمئنان أمران يجدهما المؤمن في قلبه ، في وقتين مختلفين. وفي حالتين متمايزتين.
ويؤخذ من هاتين الآيتين : أن التواضع لله ـ تعالى ـ ، والمراقبة له ـ سبحانه ـ والصبر على بلائه ، والمحافظة على فرائضه .. كل ذلك يؤدى إلى رضاه ـ عزوجل ـ ، وإلى السعادة الدنيوية والأخروية.
ثم أكد سبحانه ـ ما سبق الحديث عنه من وجوب ذكر اسمه ـ تعالى ـ عند الذبح ، ومن وجوب شكره على نعمه فقال : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ).
والبدن : جمع بدنة. وهي الإبل خاصة التي تهدى إلى البيت الحرام للتقرب بها إلى الله ـ تعالى ـ وقيل : البدن تطلق على الإبل والبقر.
وسميت بهذا الاسم لبدانتها وضخامتها. يقال : بدن الرجل ـ بوزن كرم ـ إذا كثر لحمه ، وضخم جسمه.
أى : وشرعنا لكم ـ أيها المؤمنون ـ التقرب إلينا بالإبل البدينة السمينة وجعلنا ذلك شعيرة من شعائر ديننا ، وعلامة من العلامات الدالة على قوة إيمان من ينفذ هذه الشعيرة بتواضع وإخلاص.
وقوله ـ تعالى ـ (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) جملة مستأنفة مقررة لما قبلها. أى : لكم فيه خير في الدنيا عن طريق الانتفاع بألبانها ووبرها .. ولكم فيها خير في الآخرة عن طريق الثواب الجزيل الذي تنالونه من خالقكم بسبب استجابتكم لما أرشدكم إليه.