وثانيها : تكرير الضمير وثالثها : التعبير بالعلو المفيد للاستعلاء عليهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ..) زيادة في تشجيعه وتثبيته.
وتلقف من اللقف بمعنى الأخذ للشيء بسرعة وخفة. يقال : لقف فلان يلقفه لقفا ولقفانا ، إذا تناوله بسرعة وحذق باليد أو الفم.
وفي هذه الكلمات ثلاث قراءات سبعية ، أحدها : «تلقّف» بتاء مفتوحة مخففة ، بعدها لام مفتوحة ، ثم قاف مشددة وفاء ساكنة ، وأصل الفعل تتلقف ، فحذفت إحداهما تخفيفا ، وهو مجزوم في جواب الأمر وهو (أَلْقِ).
وثانيها : (تَلْقَفْ) كالقراءة السابقة مع ضم الفاء ، على أن الفعل خبر لمبتدأ محذوف. أى : وألق ما في يمينك فهي تلقف ما صنعوا.
وثالثها : (تَلْقَفْ) بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف المخففة وجزم الفعل كالقراءة الأولى.
والمراد بما في يمينه عصاه ، كما جاء ذلك صريحا في آيات أخرى منها قوله ـ تعالى ـ : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
وعبر عنها بقوله : (ما فِي يَمِينِكَ) على سبيل التهويل من شأنها ، أو لتذكيره بما شاهده منها بعد أن قال الله ـ تعالى ـ له قبل ذلك (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى .. قالَ أَلْقِها يا مُوسى ، فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى ...).
والمعنى : وألق يا موسى ما في يمينك تبتلع كل ما صنعه السحرة من تمويه وتزوير وتخييل ، جعل الناس يتوهمون أن حبالهم وعصيهم تسعى.
قال ابن كثير : وذلك أنها صارت تنينا هائلا ـ أى حية عظيمة ـ ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس ، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصى حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته ، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهارا نهارا .. فقامت المعجزة ، واتضح البرهان ، وبطل ما كانوا يعملون (١).
وقوله : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ) تعليل لقوله (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) و (ما) موصولة وهي اسم إن ، و (كَيْدُ) خبرها ، والعائد محذوف.
والتقدير : وألق يا موسى عصاك تلقف ما صنعوه ، فإن الذي صنعوه إنما هو كيد من جنس كيد السحرة وصنعهم وتمويههم.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٢٩٦.