تلك الأصول ، انّ
البداء يجعل العلم في مرتبة الخيال من النفس الفلكية ، وهذه النفس تدرك الأسباب ،
وحيث أنّ الأسباب غير متناهية ، فهي تدركها بشكل تدريجي ، وحينئذ ، قد تدرك أمورا معيّنة
من الأسباب ، فتحكم بمسبباتها قبل إتيان وقتها ، وبعد إتيان وقتها ، يتبيّن لها
أنّ المسبّب كان مربوطا بشرط لم يحصل ، فحينئذ ، تتراجع النفس عمّا حكمت به أولا.
وهذا الكلام لا
يمكن انطباقه على فكرة البداء ، لأنّه لا ربط لوجود نفس فلكية من هذا القبيل بتعظيم
الله تعالى ، وغير ذلك من الخصائص المذكورة للبداء.
الحلّ الثالث :
وهو يعترف بأنّ البداء يستلزم التغيير ، لكن في المعلوم وليس في العلم ، وهذا جواب
من ذهب إلى أنّ البداء نسخ في التكوينيات ، والنسخ بداء في التشريعيات.
وهذا الحل يستخلص
من كلمات الصدوق والمرتضى ، وقد وافقهم عليه بعض الفلاسفة ، كما أنّه يصلح جوابا لشبهة اليهود الذي تخيّلوا لزوم
التناقض من النسخ والبداء كما ستعرف ، كما انّ هذا المعنى للحل المذكور هو
المستفاد من بعض الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ
كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (٣٩) ، فهي تدلّ
على أنّه لكلّ أجل كتاب يناسبه.
إذن ، فنسخ الكتاب
السابق لمصلحة ، لا يستلزم التناقض كما توهم اليهود ، وذلك لأنّ من شروط التناقض
وحدة الزمان ، مع أنّ الزمان هنا غير متّحد ، لأنّ كل كتاب كان في زمان خاص ، إذن
، فالتبديل والتغيير إنّما هو في المعلوم لا في العلم.
__________________