ولكن هذا الكلام غير تام ، حيث انّ الذي يبدو من الروايات في بابه ، انّ البداء الذي ذكر فيها ، لم يكن شيئا فوق قدرة الإنسان ، كيف ، وقد ثبت عن أهل بيت العصمة عليهمالسلام أنّهم قالوا : «ما عظّم الله بمثل البداء» ، «وما عبد الله تعالى بمثل البداء» ، وقالوا : «ما تنبّأ نبيّ قطّ ، حتى يقرّ لله تعالى بخمس : بالبداء ، والمشيئة و...» وقالوا : «لو يعلم الناس ما في القول في البداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه» ، وقالوا : «ما بعث الله نبيّا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال : الإقرار بالعبودية ، وخلع الأنداد ، وانّ الله يقدم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء» وقالوا : «إنّ الله لم يبدو له من جهل» ، وقالوا : «ما بدا لله في شيء إلّا كان في علمه قبل أن يبدو له» (١) وهذه الألسنة واضحة في دلالتها على معقوليّة البداء ، لأنّ الحثّ لا يكون إلّا على ما هو مقدور ومعقول.
وقبل الدخول في المحاولات التي ذكرت لحلّ الإشكال المذكور ـ وهو ، نسبة النقص والجهل إلى الله تعالى ـ لا بدّ من ذكر بعض الخصائص التي ذكرها الأئمة عليهمالسلام للبداء.
فمنها : انّ البداء أسلوب من أساليب تعظيم الله تعالى ، فقد ورد في توحيد الصدوق (قده) عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : «ما عظّم الله تعالى ، بمثل (البداء)» (٢) ، وعليه ، فلا بدّ من تفسير البداء بما يتلاءم مع تعظيم الله تعالى.
ومن الواضح أنّ تفسير البداء بمعنى تغيير الرأي وتركه إلى رأي آخر تكشّف له ، لا يكون تعظيما لله تعالى ، وإنّما هو انحراف وتصوّر لله على أنّ حاله حال الإنسان الاعتيادي.
ومنها : انّ البداء عبادة لله. فقد نقل الكليني (قده) بسند صحيح إلى زرارة (قده) عن أحدهما عليهالسلام أنّه قال : «ما عبد الله بشيء مثل البداء» (٣).
__________________
(١) الكافي ـ الكليني ـ ج ١ ـ ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ـ ١٤٨. التوحيد ـ الصدوق ـ باب البداء ص ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ـ ٣٣٤. بصائر الدرجات ـ ص ١٠٩.
(٢) نفس المصدر.
(٣) الكافي ـ الكليني ـ ج ١ ـ باب البداء ـ ص ١٤٦. الوافي ـ ج ١ ـ ص ١١٣.