الفكرة الأولى :
وتتضح بمقدمة حاصلها : أنّ القضاء الإلهي يتعلق بكل موجودات عالم الإمكان التي
يترقب أن تكون صادرة منه تعالى ، إلّا أنّ هذا القضاء الإلهي لا يتعلق بفعل فاعل
مختار حتى لو فرض أنّ هذا الفاعل هو الإنسان المخلوق الذي لا يملك شيئا إلّا بعد
إفاضته عليه لأنّ معنى اختيار الإنسان هو أنّ الله تعالى تفضّل وأنعم عليه
بالسلطنة في ضمن دائرة من الأفعال والتصرفات بحيث إن أراد فعل ، وإن أراد لم يفعل
، وهذه السلطنة تجعل نسبة الفعل الصادر من الإنسان إليه ، نسبة بالإمكان لا
بالوجوب. وليس كنسبة كل معلول إلى علّته ، فإنّه خلاف مفهوم السلطنة ، فإنّ الأمر
إذا صار واجبا ولازما بحيث يستحيل انفكاكه عن السلطنة ، فإنّه حينئذ لا تكون نسبة
السلطنة إلى الفعل والترك على حدّ سواء إذ أنّ هذا خلاف مفهوم السلطنة ، كما برهنا
على ذلك في بحث الإرادة والطلب.
وأمّا قاعدة ، انّ
الشيء ما لم يجب لم يوجد ، فإنّه يجب ترميمها وتعديلها ، فيقال : إنّ الشيء ما لم
يجب ، أو ما لم تعمل سلطنة في وجوده لا يوجد.
والحاصل هو ، إنّ
كلّ نتائج السلطنة التي هي أفعال للإنسان ، ليست واقعة في تسلسل العلل والمعلولات
المنتهية إلى الله تعالى ، وإن كانت نفس السلطنة مخلوقة لله تعالى ، لكن ما ينتج
عنها ، ليس مفاضا من قبل الله تعالى ، بل هو من قبل ذي السلطنة ، ومن هنا كانت
المسئولية وصحة الثواب والعقاب.
وبهذا يظهر ، أنّ
أفعال الإنسان لا تدخل تحت القضاء الإلهي ، بل هي داخلة تحت العلم الرباني.
وعليه : فتمام ما
يدخل تحت قضائه ، إنّما هو فعله سبحانه وتعالى.
نعم يمكنه تعالى
أن يمنع الفيض فتمتنع السلطنة ومعها نتائجها.
إذن ، فعلم الله
تعالى معناه : إنّه محيط بكل لوح الواقع ، وعليه : فكون أنّ الله تعالى يعلم ، هو
شيء ، وكونه تعالى يتخذ قرارا ، هو شيء آخر.