يُسْتَعْتَبُونَ) [الجاثية ـ ٣٥] ، وقال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً) [المائدة ـ ٥٧] ، وقد كرر ذلك في القرآن بأساليب مختلفة تسلية لأهل الحق وإرشادا لهم بأن لا يتأثروا من استهزاء أهل الباطل ، وهذا من شعب الصراع بين الحق والباطل الذي هو قديم جدّا بل يستفاد من أدلة كثيرة أنّ الدنيا لا تقوم إلا بهذا الصراع ، ولا يختص بالإنسان بل المضادة والمعاندة موجودة في جميع الموجودات بجواهرها وأعراضها لكنّها خفية لا يمكن دركها إلا لبعض النفوس المستعدة وقد كشف العلم الحديث عن بعض جوانبها في موارد مخصوصة.
وأما المجردات فلا يتحقق التضاد والصراع بينها لأنّه لا معنى للتجرد عن المادة إلا ذلك والا لزم الخلف.
والمعنى : لا تتهاونوا بحدود الله وأحكامه فتتركوا العمل بها فإنّ فيها صلاحكم ورشدكم ، فالله تعالى لم يشرع حدوده وأحكامه ومعارفه إلا على مصالح عامة وحكم نوعية والأخذ بها يصلح النوع والاجتماع ويوصل الإنسان إلى الكمال المعدّ له وتتم له سعادة الحياة ، ويستقيم بها نظام الاجتماع والخليقة.
والاستهزاء بحدود الله تعالى وآياته يتحقق بعدم العمل بها أو التعدّي عليها أو الاقتصار على ظواهرها ونبذ غيرها ، فإنّ جميع ذلك من مظاهر الاستهزاء والتهاون.
وفي الآية المباركة تهديد أكيد ووعيد شديد لمن يتعدّى حدود الله تعالى وفيها ردع عن العادات التي كانت متبعة عند نزول الآية الشريفة بشأن طلاق النساء والتزويج بهنّ.
ثم إنّ حذف الهمزة في كلمة (هُزُواً) أولى ، لثقلها وقد ورد في الحديث عن الأئمة الهداة (عليهمالسلام) «لو لا أنزل جبرئيل القرآن بالهمزة ما همزنا أهل البيت» أي ما نطقنا أهل البيت بالهمزة وقد وضع الأدباء بابا مستقلا لتخفيف الهمزة وجعلوا ذلك من المحسّنات وهو حسن ما لم يكن دليل على الخلاف.