متدرج الوجود وكلّ متدرج الوجود حادث لا محالة فلو كان المراد من كلامه عزوجل هذا يلزم منه أن يكون تبارك وتعالى محلّا للحوادث وهو باطل بالضرورة وقد أثبتوا استحالته.
الثانية : في قدم كلامه أو حدوثه.
والحق أن يقال : إنّ الكلام بالمعنى المعهود في الإنسان لا يصح نسبته إليه عزوجل ، كما عرفت آنفا. إلا أنّ الكلام يشترك مع غيره في أنّه إبراز للحقيقة ، فالجامع بين كلّ كلام ـ سواء كان من الخالق أو المخلوق ـ هو إبراز المراد والمقصود في اللفظ والحروف وإن اختلف بالاعتبار. هذا هو حقيقة الكلام وأما خروجه من العضو المخصوص ونحو ذلك فهو خارج عن تلك الحقيقة.
نعم ، قيام هذا التكلم فيه تعالى إنّما يكون قياما صدوريا كسائر أفعاله المقدّسة مثل الخلق والرّزق ونحوهما بخلاف صفاته الذاتية فإنّها عين ذاته جلّت عظمته.
فالكلام من صفاته الفعلية ، للقاعدة التي ذكرناها مرارا في الفرق بين الصّفات الذاتية والصّفات الفعلية من أنّ كلّ صفة إذا صح الاتصاف بها وبنقيضها ـ أي الثبوت والسلب ـ كانت من صفات الفعل ، وكلّ صفة لا يمكن سلبها عنه عزوجل فهي من صفة الذات ، والتكلّم مما يمكن سلبه عنه عزوجل وإثباته له تعالى فهو من صفات الفعل ، قال تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) [النساء ـ ١٦٤] ، وقال تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) [آل عمران ـ ٧٧] ، فهو كالرّزق والهداية وغيرهما من صفات الفعل التي يصح الاتصاف بها وبنقيضها من دون أن يلزم محذور في البين. وفعله حادث فالتكلم حادث فلا يكون قديما ، كما أنّ إرادته جلّت عظمته فعله فهي أيضا حادثة. نعم ، منشأ كلامه إنّما هو علمه تعالى ، فهو بمنشئه في مرتبة الذات وبفعليته وإرادته في مرتبة الصّفات الفعلية الحادثة.