بحث عرفاني
العبودية الحقيقية لله تعالى جوهرة كنهها الربوبية ، والتفاني في مرضاة الخير المطلق خير مطلق ، ويصير العبد بذلك محبوبا لدى الجميع من دون أن يكون في البين واسطة وشفيع ، بل يصير العبد بها محبوب الممكنات وتشرق عليه الشوارق من ربّ البريات.
ألم تر أنّ البدر يشرق ضوؤه |
|
بصفو غدير وهو في أفق السما |
فإنّ استغراق العبد في العبودية المحضة تلذذ من الجمال المطلق الأتم واستشعار بالكمال الأرفع الأهم فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ، وفي مثل هذه المرتبة تتحد الحقيقة والفعل والفاعل وحينئذ يقصر القلم عن البيان ويكل اللسان عن الكلام.
وحيث لا يجد المدّعون لعبودية الله تعالى هذا المقام في أنفسهم ويعترفون بعدم وجدانهم له فلا بد أن يعترفوا بعدم وجدانهم لمقام العبودية المحضة ، فإنّ عدم المعلول يكشف عن عدم العلّة وكيف يصل أحد إلى هذا المقام وهو منغمر في الشهوات وأليف الغفلات.
وإنّما يعبد العابدون أهواءهم النفسانية التي أفنوا جميع حيثياتهم وشؤونهم فيها (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) [الفرقان ـ ٤٣].
والعبودية الحقيقية هي التي تظهر آثارها على العبد فلا يصدر منه معصية