وبطنتما وظهرتما ، وكشفتما له عداوتكما وغلّكما ، حتى بلغتما منه مناكما.
فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك ، تقصر عن أن توازي أو تساوي من بزن الجبال حلمه ، ولا تلين على قسر (١) قناته ، ولا يدرك ذو مدى أناته ، أبوك مهّد له مهاده ، وبنى ملكه وشادّه ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله ، وإن يك جورا فأبوك اسّه ، ونحن شركاؤه ، فبهداه أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلّمنا إليه ، ولكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا ، فاحتذينا مثاله ، واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك ، أو دع ، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب وناب (٢).
وشيء بالغ الأهمّية في رسالة معاوية وهو أنّه عزى مخالفته للإمام أمير المؤمنين عليهالسلام إلى أبي بكر وعمر فهما اللذان مهّدا الطريق ، وفتحا الباب لمنازعة الإمام ومناجزته ، وقد سلك معاوية ما رسمه الشيخان له ، وهذا الرأي وثيق للغاية فإنّه لو لا منازعة الشيخين للإمام ، وقسرهما له لما استطاع معاوية سبيلا إلى مناجزة الإمام عليهالسلام.
ولمّا تسلّم محمّد قيادة ولاية مصر قامت قيامة معاوية فأرسل جيشا بقيادة ابن العاص لاحتلال مصر ، والتحم الجيشان ، فانهزم أهل الشام ، فاستنجد ابن العاص بمعاوية فأمدّه بجيش جرّار بقيادة معاوية بن خديج ، ودارت بين الجيشين معركة رهيبة استشهد فيها القائد العامّ لجيش محمّد ، وعلى أثره فقد انهزم الجيش وفرّ محمّد ، ولم يجد ركنا شديدا يأوي إليه ، فالتجأ إلى خربة فأقام فيها ، وخرج
__________________
(١) القسر : الاكراه.
(٢) مروج الذهب ٢ : ٦٠. شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ٢٨٤.