وهو ألزم لكم من ظلّكم. الموت معقود بنواصيكم ؛ والدّنيا تطوى من خلفكم.
فاحذروا نارا قعرها بعيد ، وحرّها شديد ، وعذابها جديد.
دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرّج فيها كربة.
وإن استطعتم أن يشتدّ خوفكم من الله ، وأن يحسن ظنّكم به ، فاجمعوا بينهما ، فإنّ العبد إنّما يكون حسن ظنّه بربّه على قدر خوفه من ربّه ، وإنّ أحسن النّاس ظنّا بالله أشدّهم خوفا لله.
وحكت هذه الكلمات النصائح الرفيعة ، والمواعظ الكاملة التي يجب أن يعتبر بها الناس ليكونوا بمأمن من عذاب الله تعالى ، ويفوزوا بمغفرته ورضوانه ...
ثمّ يستمر الإمام في عهده قائلا :
واعلم ـ يا محمّد بن أبي بكر ـ أنّي قد ولّيتك أعظم أجنادي في نفسي ، أهل مصر ، فأنت محقوق (١) أن تخالف على نفسك ، وأن تنافح عن دينك ، ولو لم يكن لك إلاّ ساعة من الدّهر ، ولا تسخط الله برضى أحد من خلقه ، فإنّ في الله خلفا من غيره ، وليس من الله خلف في غيره.
صلّ الصّلاة لوقتها المؤقّت لها ، ولا تعجّل وقتها لفراغ ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال.
واعلم أنّ كلّ شيء من عملك تبع لصلاتك.
وحفلت هذه الكلمات بدعوة محمّد بن أبي بكر بمخالفة هوى نفسه والمنافحة عن دينه ، وأن لا يسخط الله تعالى في أي عمل من أعماله ، فإنّه ليس لله تعالى خلف
__________________
(١) محقوق : أي مطالب بمخالفتك شهوة نفسك.