مقلتي كعين ماء ، نضب معينها (١) ، مستفرغة دموعها. أتمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك؟ وتشبع الرّبيضة (٢) من عشبها فتربض؟ ويأكل عليّ من زاده فيهجع (٣)! قرّت إذا عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة (٤) ، والسّائمة المرعيّة!
طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها ، وهجرت في اللّيل غمضها ، حتّى إذا غلب الكرى (٥) عليها افترشت أرضها ، وتوسّدت كفّها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم ، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ، ( أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).
فاتّق الله يا ابن حنيف ، ولتكفف أقراصك ، ليكون من النّار خلاصك (٦).
في هذه الرسالة الغرّاء دعوة إلى الولاة أن لا يجيبوا الوجهاء الذين يدعونهم إلى الولائم التي تستطاب فيها الألوان ، ولا نصيب فيها للفقراء والمحرومين ، وإنّما يدعى لها ذو الثراء العريض ، وإنّما يقيمونها تقرّبا للسلطة ، واستخدامها لقضاء مآربهم وشئونهم الخاصّة ، وقد نهى الإمام عليهالسلام الولاة من الاستجابة لها حسما للمؤثّرات الخارجية ، واستقلالا للسلطة ، حتى تخلص للحقّ ، ولا تتّبع الهوى ...
كما حفلت هذه الرسالة بامور بالغة الأهمّية والتي منها :
__________________
(١) نضب : غار. المعين : الماء الجاري.
(٢) الربيضة : الغنم التي مع رعاتها.
(٣) يهجع : أي يسكن.
(٤) الهاملة : الغنم التي ترعى بلا راع.
(٥) الكرى : النوم.
(٦) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٤ : ٣٢ ـ ٤١ ، نقلا عن بحار الأنوار ٤٠ : ٣١٨.