كما حفلت هذه الفترة أيضا بضروب عديدة من المذاهب والنحل ، وبانقسام كبير في الآراء والنزعات ، في مجادلات ومناظرات عنيفة وحادة ، بصراحة وحرية ، حفظتها لنا تلك المؤلّفات التي وضعت في هذه الفترة ، والتي تبرز لنا تلك الألوان المذهبية بوضوح وعنف ، حول القدم والحدوث ، وحول الخالق وصفاته ، وحول أفعال الإنسان في الجبر والاختيار ، وحول الخلافة والإمامة وما إليها من العصمة والنصّ والاختيار ، وحول ما يراه المعتزلة من نظرية الأحوال ، ونظرية الأشاعرة حول نظرية الكسب ، وحول ما يراه الإسماعيلية والقرامطة من الباطن والظاهر ، وحول جميع هذه المواضيع الكلامية وغيرها ، التي كانت محور المناظرات العلمية والفكرية آنذاك.
فقد برز في هذه الفترة من شيوخ الأشاعرة أمثال أبي بكر محمّد بن الطيب البصري المعروف بالقاضي الباقلاني المتوفّى سنة (٤٠٣ ه).
ومن المعتزلة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني شيخ المعتزلة في عصره المتوفّى سنة (٤١٥ ه).
وأبو الحسن البصري محمّد بن عليّ بن الطيب المتوفّى سنة (٤٣٠ ه).
ومن الشيعة الإماميّة الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان التلعكبري المعروف بالشيخ المفيد المتوفّى سنة (٤١٣ ه) وهو عالم الشيعة في عصره.
والشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي المتوفّى سنة ٤٣٦. وتلميذهما أبو الفتح الكراجكيّ المتوفّى سنة (٤٤٩ ه).
وفي هذه الفترة بالذات تنفس الشيعة الإماميّة الصعداء حين أخذ ينحسر عنهم الكثير من الحرمان والكبت والملاحقة ، التي عاشوها طيلة أكثر العهود الماضية ، وتنسموا شيئا من حريتهم ، واستطاعوا الإعلان عن آرائهم واتجاهاتهم ، مما لم يحظوا به في عصور سابقة. ذلك حين عطف بنو بويه على الشيعة ، وسيطروا على الخليفة في بغداد ، الذي كان مصدر ذلك الكبت والحرمان ، وتحكموا بمقدرات الدولة وبمصيرها ، وأصبح الخليفة العباسيّ دمية بين أيديهم يحركونها كيفما شاءوا