مريعا عاجلا غير رائث نافعا غير بائث نافعا غير ضار فمطر الناس للوقت وسالت الأودية وامتلأ كل شيء فدامت جمعة.
فأتى رجل فقال غرقنا وتقطعت السبل في أسواقنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوالينا ولا علينا.
فانجاب السحاب عن المدينة وكان فيما حولها حتى حصلت السماء فوقها والسحاب ذلك. (١)
فقال كل واحد منهم في نفسه آمنت إذا مضيت أن يأتي أحد غيري فيشعر بي فاجتمعوا بأسرهم لاتفاق ما في نفوسهم ولما أزعجهم من التعجب لاستماع ما حيرهم وأذهلهم فوقفوا إلى الصباح فلما انصرفوا اجتمعوا أيضا وافتضح بعضهم عند بعض وجددوا العهد بينهم ثم عادوا حتى فعلوا ذلك عدة دفعات تطلعا إلى سماع القرآن مع ما هم عليه من الإصرار على العناد.
وأما تعجب الجن فقولها :
(إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) سورة الجن : ١
فصل من البيان عن إعجاز القرآن
فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثله في فصاحته ونظمه مع علمهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعله علما على صدقه وسماعهم للتحدي فيه على أن يأتوا بسورة من مثله هذا مع اجتهادهم في دفع ما أتى به صلى الله عليه وآله وسلم وتوفر دواعيهم إلى إبطال أمره وفل جمعه واستفراغ مقدورهم في أذيته وتعذيب أصحابه وطرد المؤمنين به.
ثم ما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والأموال في حربه والحرص على إهلاكه مع علمهم بأن ذلك لا يشهد بكذبه ولا فيه إبطال الحجة ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة على صدقه وتحداهم على الإتيان بمثله.
_________________
(١) تجد هذا في مجالس المفيد صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٣٩ رواها بإسناده عن مسلم الغلابي مع زيادات.