قالوا والبداء لا يجوز على الله تعالى.
فيقال لهم لم زعمتم أن النسخ هو البداء؟
فإن قالوا للمتعارف بين العقلاء أن الآمر بالشيء إذا نهى عنه بعد أمره فقد بدا له فيه.
وكذا إذا نهى عن الشيء ثم أمر به من بعد نهيه.
قيل لهم ما تنكرون من أن يكون على هذا قسمين :
أحدهما أن يأمر الآمر بالشيء في وقت وإذا فعل وجاز وقت فعله نهى عنه من بعد فيكون في الحقيقة إنما نهى عن مثله وهذا هو النسخ بعينه وكذلك القول في الأمر بالشيء بعد النهي عنه.
والقسم الآخر أن يأمر بفعل الشيء في وقت فإذا أتى ذلك الوقت نهى عنه فيه بعينه قبل أن يفعل ويكون هذا البداء دون القسم الأول محصل الفرق بين البداء والنسخ ويتضح أن دعواكم فيهما أنهما واحد لم تصح.
فإن قالوا إن العبادة إذا تعلقت على المكلف بأمر أو نهى فالحكمة اقتضتها فمتى تغيرت العبادة دلت على تغيير الحكمة والحكمة لا يجوز تغييرها قيل لهم فألا قلتم إن العبادة إذا ألزمت المكلف فالحكمة اقتضتها لمصلحة من مصالح المكلف أوجبتها فإذا تغيرت العبادة دلت على أن الحكمة اقتضت ذلك لتغير المصلحة والمصلحة يجوز تغييرها.
فإن قالوا إنا لا نعلم في العقل تغيير المصالح.
قيل لهم وكذلك لا تعرفون بالعقل المصالح.
ثم يقال لهم ما السبب في نقل الله تعالى الإنسان من كونه شابا إلى أن صيره شيخا وأفقره ثم أغناه وأماته بعد أن أحياه وكيف أصحه ثم أسقمه وأوجده ثم أعدمه فكيف تغيرت الحكمة في جميع ما عددنا وما أنكرتم أن يكون هذا كله بداء أي اختلاف في المصالح يكون أوضح من هذا؟