الأصلح إلا الأدعى وكلاهما في قدرته سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا عن استحقاق الوصف بالجود والحكمة.
فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع إلى ولايته لا يضره الإعطاء ولا يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا أنه لا يفعل بعباده إلا ما كان أصلح بحالهم وأدعاها إلى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو ألما آمنوا أو كفروا أطاعوا أم عصوا قال الله تعالى لرسوله عليهم السلام :
(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى). هذا حين علم أن الدعاء على جهة اللين أصلح له ثم قال في موضع آخر
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) الأنعام ٤٢.
حين كانت الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلى التضرع والخشوع لديهم وأعلم أن الأصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره إلى إيجاد الفعل وإنما هو تيسر في إيجاده ومعونة عليه كما أن القدرة لا تضطر العبد إلى إيجاد الفعل وإنما هي تمكين منه وإزاحة للعلة فيه.
فمن نسب الله تعالى إلى أنه تعالى لا يفعل بمن كلفه (١) الأصلح فقد جعله بخيلا ومقتصدا ومن نسبه إلى أن لا يعطي من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
نقوض على هذه النظرية مع دفعها
فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الأصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله.
_________________
(١) في النسخة زيادة كلمة (إلا) فحذفناهما لئلا ينقلب المعنى المقصود.