أيضا من فعله وخلقه لجرت مجرى ذلك وقبح أن يأمرنا بطاعة أو ينهانا عن معصية ولم يصح على شيء من ذلك مدح ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب وهذا واضح لمن عقل.
فصل من القول أن الله تعالى لا يريد من خلقه إلا الطاعة وأنه كاره للمعاصي كلها.
وأما الذي يدل على أنه سبحانه لا يريد المعاصي والقبائح ولا يجوز أن يشاء شيئا منها وأنه كاره لها ساخط لجميعها فهو أنه تعالى نهى عنها والنهي أنما يكون نهيا بكراهة الناهي للفعل المنهي عنه.
ألا ترى أن لا يجوز أن ينهى إلا عما يكرهه فلو كان النهي في كونه نهيا غير مفتقرة إلى الكراهية لم يجب ما ذكرناه لأنه لا فرق بين قول أحدنا لغيره لا تفعل كذا وكذا ناهيا له وبين قوله أنا كاره له كما لا فرق بين قوله افعل أمرا له وبين قول أنا مريد منك أن تفعل.
وإذا كان سبحانه كارها لجميع المعاصي والقبائح من حيث كونه ناهيا عنها استحال أن يكون مريدا لها لاستحالة أن يكون مريدا كارها لأمر واحد على وجه واحد.
ويدل على ذلك أيضا أنه لو كان مريدا للقبيح لوجب أن يكون على صفة نقص وذم إن كان مريدا له بلا إرادة وإن كان مريدا بإرادة وجب أن يكون فاعلا للقبيح لأن إرادة القبيح قبيحة ولا يكون كذلك كما في الشاهد كما لا خلاف في قبح الظلم من أحدنا.
وقد دل السمع من ذلك على مثل ما دل عليه العقل قال الله عزوجل
(وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) غافر : ٣١
وفي موضع آخر :
_________________
(١) والأولى مفتقر بدل (مفتقرة).