ومثل ذلك قول الله عزوجل :
(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ). سورة فصلت : ٥٠.
وليس المراد أن السماء والأرض وهما جماد نطقتا وإنما المعنى تيسر فعلهما وما أراده فيهما.
فكأنهما لو كانتا في حكم الأحياء القادرين الذين يصح منهم النطق والإتيان لقالتا إذا أمرنا بالإتيان أتينا طائعين.
ونظير هذا في الكلام كثير.
والناس يجعلون من تيسر منه الفعل كان فعله قد أطاعه ويقولون للشاعر الحاضر الخاطر إن القوافي لتسمع له وتطيع وإنك لتراها رأي العين وإنها لمحصورة بين يديك.
ومرادهم أنها لا تتعذر عليه متى رامها ولا يتوقف شيء منها إذا قصدها.
فكأنها لو كانت في حيزها ترى لرآها أو في حكم من يطيع لأطاعت أمره إذا أمرها.
فأما الإخبار عن السماء والأرض بأنهما (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) بلفظ التذكير فيحتمل أن يكون المعنى أتينا بمن فينا ومن يصح فيه التذكير.
ومن ذلك قول الله عزوجل :
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) سورة ق : ٣٠.
وجهنم في الحقيقة لا يصح أن تخاطب ولا يقع منها القول.
فالمعنى أنها لو كانت في حكم من يخاطب ويصح منها القول لقالت (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ).
وقيل في الآية بوجه آخر.
وهو أن الذكر لها والخطاب في الحقيقة متوجه لخزنتها وهم القائلون (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ).