والتقية منتظرا لإذن الله تعالى في الإعلان والإظهار فيبدي حينئذ أمره على تدريج يأمن معه المضار يقضي إلى أن يلقى ذلك إلى الأطفال والصبيان الذين لا عقول لهم يصح معها الكتمان والذين من عادتهم الإخبار بما علموه والإعلان.
فإذا علمنا وهذه صورة الحال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خص في ابتدائها بالوقوف على سر أحد الأطفال تحققنا أن ذلك الطفل مميز بصحة الفعل والكمال.
وليس يستحيل حصول العقل والتمييز لابن عشر سنين ولا تجويز ذلك في الأمور المستبعدة عند العارفين.
والمنكر لذلك إنما يعول على الغالب في المشاهدات والعقل لا يمنع من وجود ما ذكرناه في نادر الأوقات بل لا يمنع من أن يجعل الله تعالى ذلك آية يخرق بها العادات.
وقد أخبر الله سبحانه عن نبيين من أنبيائه عليهم السلام بما هو أعجب من هذا وهما عيسى ويحيى.
فقال حاكيا كلام عيسى عليهم السلام للناس في المهد :
(إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)
وقال في يحيى :
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)
فإن قال الخصوم إن هذين نبيان يصح أن يكون لهما الآيات المعجزات قلنا فما المانع من تكميل الله تعالى عقل طفل في زمن نبينا عليهم السلام ويمنحه صحة التمييز والاستدلال ويخصه بالتكليف دون جميع الأطفال ويكون ذلك آية ل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم وكرامة له في أخص الناس به.
ولوجه آخر من الصلاح يختص بعلمه وليكون مع هذا كله إبانة لوليه الذي هو حجته ووصي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فما المحيل لما ذكرناه والمانع من كونه كذلك.