ومن أروع مواقف الثبات في تاريخ الاسلام ، ثبات القلة المؤمنة في اليوم العصيب الشديد : يوم غزوة أحد ، وكأن القدر أجرى على لسان الرسول في أول الغزوة ما يشير الى ضرورة هذا الثبات ، حيث قال للرماة الذين طالبهم بحماية ظهر الجيش من فوق الجبل : «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا قد هزمنا القوم فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل اليكم».
والحق الذي لا شك فيه أنه لم ينقذ المسلمين من حرب الإبادة والإفناء في هذه الغزوة ـ غزوة أحد ـ إلا ثبات الطائفة القليلة من المجاهدين المخلصين .. فحينما أشيع بين المحاربين أن الرسول قد مات ، تخاذل بعض المقاتلين ، ولكن أنس ابن النضر هتف بأعلى صوته يقول : «يا قوم ، إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد صلىاللهعليهوسلم ، اللهم إني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ اليك مما جاء به هؤلاء» .. ثم شد بسيفه وقاتل حتى قتل ، وكان لأنس من المسلمين أشباه ونظائر ثبتوا وقاوموا ، وفي هذا نزل قول الله تعالى في سورة آل عمران :
(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ؟ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ، وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً ، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ، وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ، وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).
ولقد ضرب رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ المثل الأعلى في ثبات النفس ، وثبات الحس في غزوة أحد .. فقد أصيب في وجهه وشفتيه وأسنانه ، وسال الدم الزكي على وجهه الشريف ، وتعب كثيرا ، حتى صلى الظهر قاعدا بسبب الجراح التي نالته ، وحينما جاء عدو الله «أبيّ بن خلف» يقول : أين محمد؟ لا نجوت إن نجا. قال الصحابة : يا رسول الله ، هل يعطف عليه أحدنا ليقتله؟. فقال : دعوه .. فلما اقترب من الرسول تناول الرسول الحربة من