كما اخبر الحق سبحانه بأنه قد منّ على رسوله محمد صلىاللهعليهوسلم بنعمة الثبات ، وإنما تحقق الثبات لرسول الله بفضل الله ، وبما آتاه من وحيه ، وبما قصّ عليه وذكر له في قرآنه الكريم من آيات وأنباء وعظات ، ولذلك يقول في سورة الفرقان : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً). ويقول في سورة هود : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ) ويقول في سورة الاسراء : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً). فالله تعالى قد أقرّ رسوله على الحق ، وحصنه به ، وعصمه من موافقة الكافرين ، وكان رسول الله يدرك خير الإدراك فضل الله العظيم عليه في هذا التثبيت ، ولذلك كان يدعو فيقول : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».
* * *
ومن المواقف المشهودة التي تحتاج الى الثبات ، والى الاعتصام بحبل الله القوي المتين موقف الجهاد ومقاومة الأعداء ، ولذلك جاء في سورة الأنفال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). والثبات في الجهاد قوة معنوية لها قيمتها ، فقد يكون السلاح والعتاد في أيدي المجاهدين ، وفيهم الكثرة والقوة الحسية ، ومع ذلك يظلون في حاجة الى ما هو أهم ، وهو القوة المعنوية المتمثلة في الثبات ، والبصراء بأمور النضال يقررون أن الثبات يكون في كثير من الأحيان السبب القوي والأخير للنصر والفوز ، فالجيوش تتقاتل وتتصارع ، والأكثر منها صبرا ودواما واستمرارا هو الذي يتغلب ويفوز ولعل هذا هو الذي جعل القرآن المجيد يحذّر تحذيرا شديدا من ترك الثبات في القتال ، ويتهدد من يتنكر لهذا الخلق الكريم بالعقاب والعذاب ، فيقول في سورة الأنفال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).