وتبعات الدعوة ومواطن الحق.
* * *
وللصوفية
مذهبهم في الحياء ، فهم يرون ـ كما يذكر الإمام الهروي ـ أن الحياء من أول مدارج
الخصوص ، وهو على ثلاث درجات ، فالدرجة الأولى هي الحياء الذي يتولد من علم العبد
بأن الله ناظر إليه ، فيدعوه ذلك إلى الدأب في الطاعة والنفور من المعصية ؛
والدرجة الثانية الحياء الذي يتولد في العبد عند شعور قلبه بأن الله تعالى معه ،
وأنه مع الله ، وأن الله قريب منه بالإجابة والإثابة ، والدرجة الثالثة هي الحياء
الناشيء من انخلاع قلب العابد من التعلق بالكائنات ، وعكوفه على ربّ البريات بحيث
لا يرى المرء مع الله غيره ، ولا يخطر بباله في تلك الحالة سواه.
والصوفية في
حديثهم عن الحياء يركّزون جلّ عنايتهم في الحياء من الله تبارك وتعالى ، وها هو ذا
الجنيد شيخهم يقول : «الحياء رؤية الآلاء ورؤية التقصير ، فيتولد بينهما حالة تسمى
الحياء ، وحقيقته خلق يبعث على ترك القبائح ، ويمنع من التفريط في حق صاحب الحق».
ويقول ذو النون : «الحياء وجود الهيبة في القلب ، مع وحشة ما سبق منك إلى ربّك»
ويقول السري : «إن الحياء والأنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع أقاما
فيه وإلا رحلا»
ويرى الصوفية
أن القلب إذا حرم الحياء أصبح لا خير فيه ، ولذلك يقول أحدهم : «أحيوا الحياء
بمجالسة من يستحيى منه ، وعمارة القلب بالهيبة والحياء ، فإذا ذهب من القلب لم يبق
فيه خير» ، ويجعل الفضيل قلة الحياء أحد خمسة أسباب للشقوة فيقول : «خمس من علامات
الشقوة : القسوة في القلب ، وجمود العين ، وقلة الحياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول
الأمل». وهذا أحد الأئمة يقول :
هب البعث لم
تأتنا رسله
|
|
وجاحمة النار
لم تضرم
|
أليس من
الواجب المستحقّ
|
|
حياء العباد
من المنعم؟
|