ولقد اشار البصراء بدقائق الاخلاق الى ان الطمأنينة مراتب ودرجات ، فهناك طمأنينة القلب بذكر الله ، فإن القلب اذا اخلص في ذكر الله هدأ واطمأن ، وسكن واستراح. وهناك طمأنينة السالك على بصيرة وهدى الى استقامة طريقه ، وتوصيله الى غايته ، ولعله مما يشير الى هذا قول الحق جل جلاله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي). وهناك طمأنينة المؤمن الى لطف الله وسعة رحمته ، فربه هو القائل : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
والرجل المطمئن لا يحزن على ما فات ، ولا يفرح بما هو كائن ، ولا يخاف مما هو آت ، وهو لا يضجر من أداء واجب ، فإن الطمأنينة فيها معنى الاقامة والدوام ، ولذلك يقال : اطمأن فلان بالمكان إذا لزمه وأقام فيه ، وهو لا يمل مجانبة الاثم ، لأن الاثم والطمأنينة لا يجتمعان ، فالاثم حيرة ، ولكن البر سكينة والحديث يقول : «الاثم ما حاك في صدرك ، وكرهت أن يطلع عليه الناس». ويقول : «البر ما اطمأنت اليه النفس ، واطمأن اليه القلب».
والمطمئن لا يجزع من قضاء ، ولا يضيق بقدر ، بل يردد مع القائل :
ما قد مضى يا نفس فاصطبري له |
|
ولك الأمان من الذي لم يقدر |
وتحققي أن المقدّر كائن |
|
يجري عليك ، حذرت ام لم تحذري |
ولقد كان سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم المثل الأعلى في التخلق بخلق الطمأنينة ، فما استطاعت الأهوال المتوالية ان تخرجه عن وقاره ورزانته ، ولا استطاع النصر العظيم ان يزدهيه او يغره ، ولا ضعف يقينه او رجاؤه في احلك الظلمات وأشد الأزمات ، والقرآن يترجم عن هذا حين يقول : «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ، إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ