وبتدبرنا لحديث القرآن عن الطمأنينة نفهم ـ والله اعلم بمراده ـ أنه يقصد بها الثبات والاستقرار ، ويتحقق هذا بأمور منها : أن تكون النفس موقنة بالحق لا يخالجها فيه ظن او تردد ، وان تكون آمنة لا يستفزها خوف ولا حزن وأن تنتهي بآمالها ورغباتها الى ربها ، فليس وراءه اقوى منه ولا اقدر ، ولذلك يقول الامام الرازي : «إن حاجات العبد غير متناهية ، وكل ما سوى الله تعالى فهو متناهي البقاء والقوة ، إلا بإمداد من الله ، وغير المتناهي لا يصير مجبورا بالمتناهي ، فلا بد ـ في مقابلة حاجة العبد التي لا نهاية لها ـ من كمال الله الذي لا نهاية له ، حتى يحصل الاستقرار ، فثبت ان كل من آثر معرفة الله لشيء غير الله فهو غير مطمئن ، وليست نفسه نفسا مطمئنة.
أما من آثر معرفة الله لا لشيء سواه ، فنفسه هي النفس المطمئنة ، وكل من كان كذلك كان أنسه بالله وشوقه الى الله ، وبقاؤه بالله ، وكلامه مع الله ، فلا جرم يخاطب عند مفارقة الدنيا بقوله : «ارجعي الى ربك راضية مرضية ، وهذا الكلام لا ينتفع الانسان به إلا إذا كان كاملا في القوة الفكرية الالهية او في التجريد والتفريد».
وينبغي ان يكون معنى قول الرازي : إن حاجات العبد غير متناهية ، إن حاجات الانسان كثيرة موصولة ما دام حيا ، والبقاء الأبدي الذي لا نهاية له إنما هو لله وحده : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ).
والطمأنينة خلق اصحاب العقول الراجحة ، والعلم الراسخ ، والايمان القوي ، والذكر الخالص ، والحق الثابت ، فهم لا يزدهيهم متاع ، ولا يوئسهم تعب ، وما داموا قد اقبلوا على الله ، واعتصموا بحبل الله ، وحرصوا على ذكر الله ، فإنهم لا يذلون لما عداه في هذه الحياة. ولذلك قال سهل بن عبد الله : «اذا سكن قلب العبد الى مولاه واطمأن اليه ، قويت حال العبد ، فإذا قويت أنس بالعبد كلّ شيء».