الغزالي يقول عن التواضع : «اعلم أن هذا الخلق كسائر الأخلاق ، له طرفان وواسطة ، فطرفه الذي يميل إلى الزيادة يسمّى تكبرا ، وطرفه الذي يميل إلى النقصان يسمّى تخاسسا ومذلة ، والوسط يسمى تواضعا ، والمحمود أن يتواضع في غير مذلّة ، ومن غير تخاسس ، فإن كلا طرفي الأمور ذميم ، وأحب الأعمال إلى الله أوساطها. فمن يتقدم على أمثاله فهو متكبر ، ومن يتأخر عنهم فهو متواضع ، أي وضع شيئا من قدره الذي يستحقه ، والعالم إذا دخل عليه إسكافي فتنحى له عن مجلسه وأجلسه فيه ، ثم تقدم وسوّى له نعله ، وغدا إلى باب الدار خلفه فقد تخسس وتذلل ، وهذا أيضا غير محمود ، بل المحمود عند الله العدل ، وهو أن يعطي كلّ ذي حق حقّه.
فينبغي أن يتواضع بمثل هذا لأقرانه ومن يقرب من درجته ، فأما تواضعه للسوقي فبالقيام ، والبشر في الكلام ، والرفق في السؤال ، وإجابة دعوته ، والسعي في حاجته ، وأمثال ذلك ، وألا يرى نفسه خيرا منه ، بل يكون على نفسه أخوف منه على غيره ، فلا يحتقره ولا يستصغره ، وهو لا يعرف خاتمة أمره.
ومتى صدق الإنسان في تواضعه ، وجعله وسطا معتدلا لا إفراط فيه ولا تفريط ، حقق الله له من الثمرات ، بمنافع ما يحرمه الغافل المتكبر ، فبالتواضع يصلح القلب ويطهر ، ولذلك جعل أبو عثمان الحيري النيسابوري التواضع أحد أربعة أمور يصلح بها القلب فقال : «صلاح القلب في أربع خصال : في التواضع لله ، والفقر إلى الله ، والخوف من الله ، والرجاء في الله» وكذلك ينال المتواضع عفو الله ورحمه ونعمته ، ولذلك قال يوسف بن الحسين الرازي :
«الخير كلّه في بيت ، ومفتاحه التواضع ، والشر كله في بيت ، ومفتاحه التكبر ، ومما يدلك على ذلك أن آدم عليهالسلام تواضع في ذنبه ، فنال العفو والكرامة ، وأن إبليس تكبر فلم ينفعه شيء».
وهذا يذكّرنا بما جاء في كتاب «نهج البلاغة» للامام علي ، إذ يقول في