ضيفه ، قمت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء. ولقد اشترى ابنه خاتما غاليا ، فكتب إليه عمر يقول : «بلغني أنك اشتريت خاتما بألف درهم ، فإذا أتاك كتابي هذا فبع الخاتم ، وأشبع بثمنه ألف بطن ، واتخذ لك خاتما بدرهمين ، واكتب عليه : رحم الله امرأ عرف قدر نفسه».
والتواضع إنما يصدق إذا كان عن قدرة ، أما إذا رغب الإنسان أو رهب أو خاف من شخص فذلّ له وانكسر معه ، فليس ذلك من التواضع في شيء ، ولذلك قال ابن السماك لهارون الرشيد : «إن تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك» ، وإنما يصدق التواضع من الكبير مع الصغير ، ومن القوي مع الضعيف ، ومن العالم مع الجاهل ، ومن الغني مع الفقير ، ولعل هذا يذكّرنا بقول الإمام علي رضي الله عنه لبعض الصالحين في مقام له : «ما أحسن التواضع بالأغنياء في مجالس الفقراء رغبة منهم في ثواب الله ، وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء ثقة منهم بالله عزوجل».
وقد يظن بعض الناس أن التواضع معناه إهمال النظافة في البدن أو الثياب أو الأدوات ، أو إهمال العناية بمظهر الإنسان وشكله ، وليس لهذا الظن نصيب من الحق ، لأن الله تبارك وتعالى قد قال : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). وقال رسول الله عليه الصلاة والسّلام : «إن الله جميل يحب الجمال». ولقد يكون الإنسان طهورا في بدنه وثيابه ، أنيقا في شكله ومظهره ، متمتعا بطيبات حياته ، ومع ذلك يتواضع فيصدق منه التواضع.
وينبغي أن نتذكر أن التواضع يجب أن يكون بقدر ومقدار ، لأن الإنسان إذا أسرف في تواضعه فقد وضع نفسه موضع السخرية أو سوء الظن ، وإذا كنا نرى من واجبنا أن نحترم الرجل العظيم مرتين ، مرة لعظمته ، ومرة لتواضعه ، فإن المسرف في التواضع يحملنا على الاستهزاء به والاستنكار لعمله. وإذا كنا نعلم أنه ما من فضيلة إلا وهي وسط بين رذيلتي الإفراط والتفريط ، فإن التواضع كذلك وسط له طرفان مذمومان ، وهذا هو حجة الإسلام الإمام