لكأن التواضع أمانة غالية مودعة لدى أنبياء الله ورسله ، فهم يحرسونها ويحرصون عليها لتبقى وتدوم.
* * *
ولقد تجلت شواهد التواضع من سلف هذه الأمة بصورة رائعة باهرة ، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبس المرقّع ، ويحمل الدقيق للمرأة العجوز ، وينفخ على النار لينضج الطعام للأطفال الفقراء ، ويطلي إبل الصدقة حتى تبرأ من مرضها ، ولقد دعا الناس ذات يوم إلى الاجتماع في المسجد ، ثم وقف يخطب ويقول بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله : «أيها الناس ، لقد رأيتني أرعى الغنم على خالات لي من بني مخزوم ، فأقبض القبضة من التمر والزبيب فأظل بها يومي».
ثم نزل ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين ، ما زدت على أن عبت نفسك. فقال له عمر : ويحك يا ابن عوف ، إني خلوت بنفسي فحدثتني فقالت : أنت أمير المؤمنين ، فمن ذا أفضل منك؟. فأردت أن أعرّفها نفسها.
وقال عروة : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، على عاتقه قربة ماء ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، لا ينبغي لك هذا ، فقال : لما أتاني الوفود سامعين مطيعين ، دخلت نفسي نخوة فأردت أن اكسرها.
وتفاخرت قريش عند سلمان الفارسي ، فقال متواضعا : «لكنني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم آتي الميزان ، فإن ثقل فأنا كريم ، وإن خفّ فأنا لئيم». وهذا هو الخليفة العادل خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز يضرب الأمثلة الرائعة في التواضع وهو خليفة ، فثيابه تقدّر باثني عشر درهما ، وكان عنده بعض جلسائه ، فاحتاج السراج إلى إصلاح فقام إليه عمر فأصلحه ، فقال له من معه : كنا نكفيك ذلك. فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم