رسول الله بالرأفة والرحمة والحرص على خير الناس ، أراد أن يشعرنا بأنه المثل الأعلى في التواضع. وها هو ذا رب العزة يخاطب نبيّ الرحمة في سورة آل عمران بقوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). ويقول له في سورة الشعراء : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ (١) لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
ولقد أقام الرسول بعمله وقوله وتصرفاته في حياته الدلائل بعد الدلائل على أنه كان المثل الأعلى للتواضع ، فهذا النبي العظيم الذي وصفه القرآن الكريم بأنه رؤوف رحيم ، وبأنه الشاهد والمبشّر والنذير ، والداعي إلى الله بأمره والسراج المنير ، وبأنه رحمة الله للعالمين ، هذا النبي الخاتم الجامع كان يجيب دعوة العبد ، ويصغي للأمة فلا ينصرف عنها حتى تنصرف ، ولا يتميز على أصحابه ، بل يشاركهم العمل ما قلّ أو كثر ، وإذا دخل بيته كان في خدمة أهله ، فهو يحلب الشاة ، ويرقع الثوب ، ويخصف النعل ، ويميل الإناء للهرة لتشرب ، ويعلف الدابة ، ويعقل البعير ، ويطحن بالرحى ، ويشتري الشيء من السوق ويحمله ، ويأكل مع الخادم ، وبجالس المساكين ، ويعنى بالأرملة واليتيم والفقير ... الخ.
ويعنى النبي صلوات الله وسلامه عليه بالدعوة إلى التواضع والحث عليه ، فيقول : «إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد». ويقول : «طوبى لمن تواضع في غير مسكنة ، وأنفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذل والمسكنة ، وخالط أهل الفقه والحكمة». ويقول : «الشرف التواضع». ويقول : «ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد إلا رفعه». ويقول : «أخبركم بمن تحرم
__________________
(١) واخفض جناحك : كن رحيما بهم عطوفا عليهم.