بالغضب هنا الغضب لنفس الإنسان ظنّا منه أو توهما أنها تستحق أكثر مما تنال ، فيدعوه ذلك إلى الغرور والفجور.
وليس معنى هذا أن التواضع يفتح أمام الإنسان باب المذلة والهوان ، بل على العكس من ذلك يؤدي به التواضع إلى العز الحقيقي المحمود عند الله جل جلاله ، وعند العقلاء البصراء من الناس ، ولذلك قال ابن عطاء الله السكندري : «العز في التواضع ، فمن طلبه في الكبر فهو كتطلب الماء في النار». ولو تكبر الإنسان وتباهى ، ولو بطاعته وعبادته ، لما ذاق الطعم السليم للتواضع ، وهذا زياد النمري يقول : «الزاهد بغير تواضع كالشجرة التي لا تثمر». والكبر لا يقتصر على التطاول في المشية ، أو التبجح في الصوت ، بل الكبر الأخطر من ذلك هو ـ كما قال الحديث ـ بطر الحق وغمط الناس ، وبطر الحق هو رفضه وجحوده ، وغمط الناس هو احتقارهم والاستخفاف بهم.
والتواضع أقسام وألوان ، وأساسه التواضع أمام دين الله عزوجل ، بأن يتقبله الإنسان ويخضع له ، ولا يجادل فيه ، ولا يعترض عليه برأيه أو هواه ؛ ثم يلي ذلك التواضع مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلا قول للانسان أمام هديه ، ولا هوى يخالف سنته ، بل تسليم ومتابعة واقتداء ، في أدب وحب واهتداء ؛ ثم يلي ذلك التواضع مع الخلق بأن يحفظ الإنسان حقّ غيره ، حتى ولو كان عدوا أو مخالفا في الدين ، وأن يقبل عذر المعتذر ، وأن يفىء إلى الحق مهما كانت الجهة التي جاءه منها ذلك الحق ؛ ثم يلي ذلك تواضع الإنسان فيما بينه وبين نفسه ، فلا يرى في نفسه لنفسه ما يفتح عليها أبواب الاغترار والتكبر ، بل يردعها ويقمعها ، فلا تختال ولا تميل.
* * *
والتواضع خلق يرتفع في ميزان القرآن الكريم حتى يجعله حلية للأنبياء والمرسلين ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، وحينما وصف القرآن سيدنا