متواضعين بسكينة ولين ووقار ، وإذا كان الهون ـ بفتح فسكون ـ هو اللين والرفق ، فإن الهون ـ بضم الهاء ـ هو الهوان أو الذل ، وهذا من صفة غير المؤمنين ، والعلماء يذكرون أن الهوان على وجهين : الأول تذلل الإنسان في نفسه باختياره فيما لا يعيبه ، وهذا من شأن المؤمنين ، والآخر أن يكون من جهة متسلّط مستخفّ به ، وهذا من شأن الحقراء ، كما في قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ).
ومن الآيات التي تشير إلى خلق التواضع قول الله تعالى في سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ، ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
والمراد بالذلة في الآية الكريمة الرحمة والشفقة واللين ، وليس المراد بها الهوان ، فالمؤمن كما قيل ذلول ، أي عطوف على مستحق العطف ، وغير المؤمن ذليل ، أي صاحب هوان ، وفي الحديث : «المؤمن كالجمل الذّلول ، والمنافق والفاسق ذليل».
والعزة على الكافرين يراد بها القوة والغلبة ، ولذلك قال عطاء عن وصف المؤمنين في هذه الآية : «إنهم للمؤمنين كالوالد لولده ، وعلى الكافرين كالسبع على فريسته». والمقصود هنا طبعا هم الكافرون المعتدون ، لا مجرد الذين خالفوا في الدين دون عدوان.
وكذلك جاء قوله تعالى في سورة الفتح : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ). والمعنى قريب من معنى الآية السابقة ، وذكر القرآن الكريم بعض مظاهر التواضع ، فقال في سورة الإسراء : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً). وقال في سورة لقمان : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ، إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). والمرح هو : الاختيال والبطر. وتصعير الخد