الصالحين إذا خرج من داره يقول : «اللهم إني أعوذ بك أن أخرج مخرجا لا أكون فيه ضامنا عليك».
ويقول القرآن على لسان إبراهيم عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أي ثناء ثابتا يصدق صاحبه ولا يكذب فيه ، وإنما يستحق إبراهيم ذلك بطاعته لربه ، وإخلاصه العمل لوجهه تعالى.
ويقول القرآن : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي أن لهم أعمالا صالحة قدّموها بإخلاص ، يتقبلها الله ويثيب عليها لأن أهلها صدقوا فيها. ويقول : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) ومقعد الصدق هنا هو الجنة التي لا ريب في وعد المؤمنين بها ، وإنما استحقوها بصدقهم في طاعتهم ، وإخلاصهم في عبادتهم.
* * *
والواقع الذي لا شك فيه أن التزام الصدق أمر يحتاج إلى إرادة صلبة ، وعزيمة قوية ، وإيمان وطيد ، واحتمال كريم لتبعات الصدق ، ولذلك قال بشر ابن الحارث «من عامل الله بالصدق استوحش من الناس». وسئل ذو النون : هل للعبد إلى صلاح أموره سبيل؟. فأجاب قائلا :
قد بقينا من الذنوب حيارى |
|
نطلب الصدق ، ما إليه سبيل |
فدعاوي الهوى تخف علينا |
|
وخلاف الهوى (١) علينا ثقيل |
وكأن ذا النون يشير بذلك إلى الجهد الكبير الذي يجب أن يبذله من ذات نفسه من شاء أن يكون متحليا بفضيلة الصدق ، وإلى أن أقوم طريق يوصل إلى الصدق هو أن يخالف الانسان هوى نفسه ، وأن يوافق الحقّ والعدل ، ومن هنا قال ابن القيم : «حمل الصدق كحمل الجبال الرواسي ، لا يطيقه إلا أصحاب العزائم». وقال الجنيد : «حقيقة الصدق أن تصدق في موطن لا
__________________
(١) خلاف الهوى : مخالفة هوى النفس.
اخلاق القرآن ـ (٤)