تبعاته ، أو حق من حقوقه ؛ وهناك صدق الظاهر من حال الانسان بحيث يكون موافقا باطنه ، ولذلك نستطيع أن نقول إن الصدق كما يكون في الأقوال يكون في الأعمال والأحوال ، فالصدق في الأقوال هو ـ كما قال ابن القيم ـ استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها ، واستواء الأفعال على الأمر والمتابعة ، كاستواء الرأس على الجسد ، والصدق في الأحوال هو استواء أعمال القلب والجوارح على الاخلاص ، واستفراغ الوسع ، وبذل الطاقة ، وأعلى مراتب الصدق هي مرتبة الانقياد الكامل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، مع كمال الاخلاص كله لله تعالى الذي أرسله بدينه ودعوته.
وعلى هذا يكون الصدق صدق قول ، أو صدق نية ، أو صدق عزم ، أو صدق وفاء بالعزم ، أو صدق عمل ، أو صدق تحقيق لمقامات الدين كلّها ، وفي ضوء هذا نستطيع أن نفهم الصدق الوارد في قول الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ، وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). فهذا صدق في الوفاء بالعهد ، مثل ما فعل الشهيد أنس بن النضر رضي الله عنه ، الذي عاهد ربه على الثبات في الجهاد حتى نال الشهادة ، وفي جسمه بضع وثمانون ، ما بين طعنة وضربة ورمية ، ومثل الشهيد مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي جاهد ثابتا صادقا حتى نال الشهادة.
ولقد روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الشهداء أربعة : رجل مؤمن جيد الايمان ، لقي العدوّ فصدق الله حتى قتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم هكذا ـ ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوته ـ ورجل جيد الايمان ، إذا لقي العدو فكأنما يضرب وجهه بشوك الطّلح ، أتاه سهم غرب فقتله ، فهو في الدرجة الثانية ، ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الثالثة ، ورجل أسرف على نفسه ، لقي العدوّ فصدق الله