ويقرر القرآن المجيد بعد هذا أن الصدق هو صفة الأخيار من عباد الله الصالحين المصلحين ، الطائعين المستقيمين ، فيقول في سورة البقرة : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ، ويقول في سورة الزمر : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ). وقال في سورة الحجرات : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). وقال في سورة الحشر : (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). وقال في سورة آل عمران يمدح المؤمنين : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ).
وإذا قال الانسان الصدق سمّي صادقا ، وما يزال الانسان يصدق ثم يصدق ثم يصدق حتى يصير صدّيقا و «الصّدِّيق» هو الملازم للصدق لا يتركه إلى غيره ، وقد وردت في تعريف الصّدّيق عدة أقوال. فقيل : هو من كثر منه الصدق ، وقيل : هو من لا يكذب أبدا ، وقيل : هو من لا يتأتى منه الكذب لتعوّده الصدق ، وقيل : هو من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله ، وإذا كان المفسرون قد قالوا إن الصديقين قوم دون الأنبياء في الفضيلة فذلك لا يمنع أن يتصف الأنبياء والرسل بصفة «الصّدّيقية» الملائمة لعصمتهم ومنزلتهم الزائدة عن صديقية غيرهم ممن ليسوا برسل ولا أنبياء ، ولقد وصف القرآن الكريم خليل الرحمن وأبا الأنبياء إبراهيم بهذه الصفة ، فقال في سورة مريم : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا). ووصف إدريس بمثل هذا فقال في سورة مريم أيضا : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) ، وجاء في القرآن وصف يوسف بالصديقية في قوله : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ). وجاء وصف مريم بهذه الصفة في سورة المائدة : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ).
وجاء وصف الأخيار من عباد الله بوصف الصّدّيقية ، ففي سورة النساء :