ولقد روى الإمام الغزالي أن ميمون بن مهران جاءته جارية له بطعام ساخن ، فوقع إناء الطعام من يدها ، فأصاب سيدها شيء منه ، فقال لها غاضبا : أحرقتني. فأجابته : يا معلّم الخير ومؤدب الناس ، ارجع إلى ما قال الله تعالى. فقال : وما قال الله تعالى؟ : قالت : لقد قال (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ). فقال كظمت غيظي. قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ). قال : قد عفوت عنك قالت : زد فإن الله تعالى يقول : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). قال : أنت حرة لوجه الله تعالى.
وإذا كان الرسول الأعظم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هو المثل الأعلى لكل مسلم ، فان أخلاقه كذلك هي القدوة السامية التي لا تشبهها قدوة في مكارم الأخلاق وفضائل الشيم. ولقد سئلت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن أخلاقه ، فأجابت : كان خلقه القرآن. والقرآن يطلب إلى الرسول الكريم أن يستمسك بخلق العفو ، فيقول له في سورة آل عمران :
(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ). ويقول في سورة المائدة : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). ويقول في سورة الأعراف : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ).
وإذا كان بعض المفسرين قد فسر قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ) ، بقوله : اقبل السهل الميسور منهم ، فان كثيرا من المفسرين قد قالوا إن معنى ذلك هو تعاطي العفو عن الناس ، أي اعف عمن يليق به العفو منهم.
ولقد ضرب رسول الله ـ عليه صلوات الله وسلامه ـ أروع المثل في الحلم والصفح ، حتى رووا أنه كان أحلم الناس وأرغبهم في العفو مع القدرة ، ولقد جاء في سيرته العاطرة أنه كان يقسم للناس ذات يوم ، فقال رجل من أهل البادية فيه فظاظة : يا محمد ، والله لئن أمرك الله أن تعدل ، فما أراك تعدل ، فأجاب النبي : ويحك ، فمن يعدل عليك بعدي؟. وانصرف الرجل ، فقال الرسول في عفو رائع : ردّوه عليّ رويدا.